قال: «كلا يا مولاي، ولكن معي دبا يرقص رقصا غريبا.»
قال: «أين هو؟»
قال: «هو بالباب.» وصاح: «أدخل يا مبارك.»
فتوجهت أنظار الجميع نحو الباب، فسمعوا خشخشة الجلاجل والأجراس، ثم دخل الغلام وهو يقود رجلا بحبل في عنقه، وعلى الرجل جلد دب يكسو صدره وظهره وساقيه إلى القدمين، ويغطي ساعديه إلى الكتفين، وقد ستر وجهه بوجه دب حتى لا يشك الناظر إليه أنه دب حقيقي، وشد برجليه ويديه أجراسا، وجعل حول عنقه جلاجل.
فلما دخل الغلام سلم المقود إلى الضحاك، فتناوله وجر ذلك الدب بعنف، فدخل وأخذ في الرقص وهو يزمجر ويثب كما يفعل الدب تماما، فلم يبق أحد من الجلوس إلا أغرب في الضحك، والضحاك يتفنن في أساليب المجون. فلما تمكن الطرب من الأمير احتال الضحاك في الدنو منه وقال بحيث لا يسمعه سواه: «إن هذا المجلس لا ينقصه غير الدهقانة.»
فلم يتمالك الأمير عند سماعه ذلك أن صاح: «يا ضحاك، خذ هذا الدب وأرقصه في الخباء وأنا قادم إليكم.» قال ذلك ووقف وقد استخفه السرور، وهاجت عواطفه، وأسكره النصر، فوقف سائر الأمراء احتراما له، فمشى حتى خرج من الفسطاط والضحاك يسير بالدب أمامه، وقد أقبل الظلام ولم يجسر أحد من رجال ابن الكرماني أن يتبعه إلى الخباء، فمشى وحده وقد التف بعباءة من حرير وعلى رأسه عمامة صغيرة مزركشة زركشة جميلة، وسار هو يتبختر بمشيته تيها حتى إذا أقبل على الخباء تنحى الضحاك ودبه لمرور الأمير، فدخل وهو يقول: «أين عروسنا الدهقانة؟»
فتقدمت ريحانة وجلنار إلى جانبها وعليها مطرفها، وقد غطت رأسها بخمار من نسيج كشمير وردي اللون، وعيناها تتلألآن من خلال الخمار، والحياء يغالبها ويزيدها رونقا، فلما وقع بصره عليها حياها بالانحناء وهو يقول: «لقد جئتك ضاحكا لأني انتقمت لأبي، وغلبت صاحب مرو على مدينته، ففر فرار الأنذال، وسوف أقتله، بإذن الله.»
فأجابته ريحانة وهي تبتسم قائلة: «لقد كنا على يقين من فوز الأمير على عدوه؛ لما نعلمه من بسالته وشدة بطشه، فنحمد الله على فوزه.»
ثم أشار الأمير إلى الدهقانة بالجلوس وهو يقول: «وغدا ندخل قصر الإمارة حسب الوعد.»
الفصل الخامس والأربعون
Bog aan la aqoon