ذلك يا بني حكم ابن أبي ربيعة، وهو أولى بالحكم في هذه القضية من معلم يونان. أكثير يا بني أصحاب هذا الرأي في زمانكم الحديث؟
فأجابه التلميذ وقد لبس لبوس الأستاذ هذه المرة: هم غير قليلين في المغرب والمشرق ... فمنهم في أرض الصقالبة ومنهم في أرض الصين وما وراءها وكل من يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة خليق أن يرى ما رآه هؤلاء. فما بال المرأة لا تحارب والحرب اليوم آلات تدار أسهل من إدارة المغزل ومن شكة الإبرة في الثياب؟
قال الشيخ: هي صناعة قتل سهلت أو صعبت، فما لكم لا تتركون للمرأة صناعة الولادة وتدعون صناعة القتل لغيرها كما قال أخو مخزوم؟ وما لكم لا تجعلون جيشها كله على مثال تلك الجيوش التي حدثتني أنهم يحشدونها في بعض البلاد، لتقويم الأبدان والصولة ببأس الجمال؟
فأسرع التلميذ يقول: لعلها الضرورة يا مولاي! لعل المقاتلين لا يستغنون عن مدد من النساء إذا قل الرجال.
فأدركه الشيخ قائلا: بل إذا قلت الرجولة وأصبحت الحرب وليست هي من الفروسة ولا من البطولة، ما أحسب الآفة عندكم أن النساء أصبحن كالرجال، وإنما الآفة فيما أخال أن الرجال أصبحوا كالنساء، فلا حرج إذن من المساواة في القتال!
ثم سأل الشيخ: ما هذا الغرام بالحرب في كل شعب من شعوبكم حتى استنفدت رجالكم وجارت على نسائكم، واستنفدت سلاحكم وجارت على أدوات السلم في أيديكم؟ ما هذه الحاجة الملحة إلى إزهاق الأرواح وتمزيق الأبدان؟ أهي فرط كراهة منكم للحياة أم هي فرط خوف من المنية؟ أم أنتم مدفوعون إلى حيث لا تعلمون وأنتم تحسبون أنكم تعلمون؟ •••
وكأنما خشي التلميذ أن يحاسبه الحكيم على سيئات عصره، وأن يسأله في هذا السؤال المتهم عن وزره، فأجابه وهو لا يفقه ما يعنيه: عن هذا أسألك أيها الحكيم العليم! فهي معضلة من معضلات الزمن الأخير تسأل عنها وليس لها من مجيب!
فشك الشيخ غير قليل. وغاب عن صاحبه في تأمل طويل، وكأنما أفاق من غيبوبة علوية حين أقبل يقول: إنما الحرب يا بني حيلة من ليست له حيلة، يقدم عليها من يأمن شرها أو من يخاف جميع الشرور فلا يبقى له ما يأمن ... وإنما يستميت في الخصومة من يخاصم الأقدار وإن حسب أنه يخاصم إخوانه من بني الإنسان. إنما يستميت في خصومته من يطلب الدوام لشيء لا يمكن دوامه أو يطلب التبديل لشيء لا يمكن تبديله، فهم يحاربون القدر ولا يحاربون أبناء آدم، ومن حارب القدر يا بني لم يحاربه بنصف عزمه ولا بنصف سلاحه ولا بنصف رأيه. من حارب القدر فأيسر جهده أن يستجمع، وأن يستميت، وأن يخسر في الجانبين وينهزم في الصفين.
وهؤلاء أبناء أندلس يريد فريق أن يعيد أمس، ويريد فريق أن يستعجل الغيب، وليس هذا ولا ذاك في يد إنسان، ولو كان في يد إنسان لكان، ولم يستعر بينهم كل هذا الشنآن.
قال التلميذ: ألا دواء لهذا الشنآن بين الفريقين؟ قال الحكيم: حتى يفقد كلاهما كل قوته، أو يفقد كلاهما نصف اعتقاده. فإذا انقصم السيف الأخير في أيدي هؤلاء وهؤلاء فهناك رجاء في سلام! وإذا شك كلاهما في حقه واعتقد أن نصف الحق معه ونصف الحق مع خصمه فهناك رجاء في سلام. أما وهناك بقية من قوة في الصفين، وإيمان بالحق الكامل في الجانبين فلا سلام ولا رجاء فيه! •••
Bog aan la aqoon