ثم يخطر لبعض الحاضرين أنها فرصة لا تضيع، فيسألونه: ألا نحمل إليك تلك الأوراق فنراجعك فيما تغير منها وما تأمر بمحوه، بعد أن تنظر في الدنيا نظرة وتطلع منها على ما استجد من حالها وتبدل من خلائق أهلها!
فإذا الشيخ يتجهم هنيهة وقد عاودته سوداؤه وانقباض صدره وذهب يقول: أما خلائق أهل الدنيا فإنما يتبدل الرأي فيها لمن يراهم على إحدى حالتين: فمن قال إنهم كانوا في غابر زمانهم أهل ورع وصلاح وأصحاب كرم وتقوى. ثم عدت عليهم عوادي الزمن فصدوا عن سبيل الخير؛ فذلك خليق أن يصف منهم شأنا، ثم يعود بهم إلى شأن غير الذي وصف.
ومن قال إنهم اليوم جاهلون وغدا يعلمون، وإنهم اليوم على عوج وغدا يستقيمون، فذلك أيضا خليق بتبديل الرأي في الناس عصرا بعد عصر وأمة بعد أمة.
وما أنا هذا أو ذاك؟ أنا قد بلوتهم فعلمت أنهم هكذا كانوا منذ كانوا:
وهكذا كان أهل الأرض مذ فطروا
فلا يظن جهول أنهم فسدوا
ثم بلوتهم ورجوت صلاحهم واستأنفت الرجاء فيهم وعجبت من أمري معهم على شدة علمي بهم، وما زلت أستغرب من تلك الحال التي أحاولها وتحاولني:
وأعجب مني كيف أخطئ دائما
على أنني من أعرف الناس بالناس
حتى انتهيت إلى رأي لا يتبدل:
Bog aan la aqoon