وقد تأملت المختلفين فيه، فوجدتهم على ثلاثة أقسام:
فريق متزندقون، يكفرونه ويحبونه لكفره، ومنهم متفرنجة هذا العصر؛ أو مؤمنون يبغضونه لذلك.
وفريق يذهبون إلى صحة إيمانه، وربما تغالوا فألحقوه بالأولياء الواصلين، ورووا له الكرامات.
وآخرون متحيرون أمسكوا عنه، ووكلوا أمره لخالقه.
وأنا بادئ بذكر أقوالهم فيه، ثم معقبها بما ثبت من أقواله، مقسمة إلى فصول، كما فعلت بأخباره، فأقول:
ذكر غير واحد أنه كان متهما في دينه، وأنه اجتاز باللاذقية ونزل ديرا كان به راهب له علم بأقاويل الفلاسفة، فسمع كلامه، فحصل له بذلك شكوك. واستدلوا أيضا على إلحاده بتجافيه عن أكل الحيوان خمسا وأربعين سنة، قالوا: وهذا من اعتقاد الحكماء المتقدمين؛ لأنهم يرون في ذبح الحيوان تعذيبا له. وسيأتي الكلام على ذلك في فصل مستقل. ونقلوا عن تلميذه أبي زكريا التبريزي أنه قال: قال لي المعري مرة: ما الذي تعتقد؟ فقلت في نفسي: اليوم أقف على اعتقاده. فقلت له: ما أنا إلا شاك. فقال: وهكذا شيخك. وقال في حقه الباخرزي في دمية القصر: «ضرير ما له في أنواع الأدب ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج. وقد طال في ظلال الإسلام أناؤه، ولكن ربما يترشح بالإلحاد إناؤه؛ وعندنا خبر بصره، والله أعلم ببصيرته، والمطلع على سريرته؛ وإنما تحدثت الألسن بإساءته، ككتابه الذي زعموا أنه عارض به القرآن، وعنونه بالفصول والغايات، ومحاذاة السور والآيات، وأظهر من نفسه تلك الخيانة، وجذ تلك الهوسات كما يجذ العير الصليانة، حتى قال فيه القاضي أبو جعفر قصيدة أولها:
كلب عوى بمعرة النعمان
لما خلا عن ربقة الإيمان
أمعرة النعمان ما أنجبت إذ
أخرجت منك معرة العميان
Bog aan la aqoon