ورفضها واطراحها.
الوجه الثالث أن يقال لم يأت في أثر صحيح أن عمر ﵁ حبس ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري ﵃ ولا أنه حبس غيرهم من الصحابة على نشرهم للحديث، وقد ذكرت في الجواب عما رواه ابن عساكر أن أبا الدرداء ﵁ لم يزل ساكنًا في الشام في زمان عمر وبعد زمان عمر ﵁ ولم يثبت أنه قدم المدينة في زمان عمر ﵁ فضلًا عن أن يكون عمر ﵁ قد حبسه.
وأما أبو مسعود الأنصاري ﵁ فقد سكن الكوفة ولم يثبت أن عمر ﵁ أمره بالقدوم إلى المدينة فضلا عن أن يكون قد حبسه.
وأما ابن مسعود ﵁ فقد أرسله عمر ﵁ معلمًا لأهل الكوفة ولم يزل بها حتى قدم المدينة في آخر زمان عثمان ﵁ ومات بها. ولم يثبت أنه قدم المدينة في زمان عمر ﵁ بعد ما أرسله عمر ﵁ إلى الكوفة فضلًا عن أن يكون عمر ﵁ قد حبسه.
وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ عن حارثة بن مضرب قال قرئ علينا كتاب عمر. إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا وعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا وهما من النجباء من أصحاب محمد ﷺ من أهل بدر فاقتدوا بهما واسمعوا وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي.
وإذا كان هذا قول عمر ﵁ في حق ابن مسعود ﵁ فكيف يقال أنه حبسه في المدينة. هذا لا يصح.
وقد ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ أن ابن مسعود ﵁ كان ممن يتحرى في الأداء ويتشدد في الرواية ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ وأنه كان يقل من الرواية للحديث ويتورع في الألفاظ. وذكر أيضا عن أبي عمرو الشيباني قال كنت أجلس إلى ابن مسعود حولا لا يقول قال رسول الله ﷺ فإِذا قال قال رسول الله ﷺ استقلته الرعدة وقال هكذا أو نحو ذا أو قريب من ذا. وذكر أيضًا عن أبي الأحوص عن عبد الله ﵁ قال «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع».