وقد تميز المحدّثون بصرامتهم في نقد أسانيد الأخبار وعدم اعتبار أي وثيقة أو حديث أو كتاب قابل للبحث والاعتناء ما لم ينقل بالسند المتصل لقائله، ثم لا يمكن الاعتماد على النص أو الكتاب إذا لم يكن جميع الأشخاص الوارد ذكرهم في سلسة الإسناد من المعروفين بالصدق والعدالة ولا شك أن هذه الصرامة في نقل الأسانيد تزيد القلب طمأنينة بصحة ما نقل من أخبار بهذه الأسانيد. ثم إن المحدِّثين لم يكونوا يقبلون الخير لمجرد صدق الراوي وورعه وتدينه بل كانو يخبرون أحاديثه ويزنونها ثم ينزلون كلًّا منزلته، قال أبو (^١) الزناد ﵀: "أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث يقال: ليس من أهله".
وقال مطرف (^٢): أشهد لسمعت مالكًا يقول: "أدركت بهذه البلاد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة يحدثون ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل: فلم يا أبا عبد الله؟ قال: لم يكونوا يعرفون ما يُحدِّثُون".