النبي ﵊ يسبق حلمه غضبه
زيد بن سعنة كان حبرًا مثل عبد الله بن سلام، عرف أوصاف النبي ﵊ فقال: (والله ما من شيء من علامات النبوة إلا وقد رأيته في محمد ﷺ، إلا أنني لم أعرف من العلامات علامتين: الأولى: يسبق حلمه جهله، والثانية: لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا) يعني: حلمه أسبق، ولو جهل عليه ازداد بهذه الجهالة حلمًا.
قال: (فخرج رسول الله ﷺ يومًا من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فاستوقفه رجل، فقال: يا رسول الله! إن قومي من بني فلان في قرية كذا قد دخلوا الإسلام، وقد وقع بهم شدة، وكنت قد وعدتهم إن دخلوا في الإسلام أن يأتيهم رزقهم رغدًا، وأخشى اليوم أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا في الإسلام طمعًا، فإن رأيت أن تغيثهم بشيء من المال فعلت، وجزاك الله خيرًا، فالتفت النبي ﵊ إلى علي وكأنه يريد أن يسأله عن مال، فقال علي: والله ما بقي منه شيء يا رسول الله.
قال زيد بن سعنة: فانطلقت إلى النبي ﷺ فقلت: يا محمد! بعني تمرًا معلومًا في حائط بني فلان إلى أجلٍ معلوم، فقال له النبي ﷺ: لا تسم حائط بني فلان، قال: قبلت، قال: فأعطيت النبي ثمانين مثقالًا من ذهب، فدفعها كلها إلى هذا الرجل، وقال: أغث به قومك، وانطلق.
قال: فخرج النبي ﷺ يومًا يصلي على جنازة، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فجلس إلى جوار جدار في المدينة من شدة الحر، قال زيد بن سعنة: فانطلقت إليه وأنا مغضب، وأخذت النبي من مجامع ثوبه، وقلت له: أدِ ما عليك من حق يا محمد، فوالله ما علمتكم يا بني عبد المطلب إلا مطلًا يعني: في سداد الحق، تصور هذا المشهد وسط الصحابة! فانقض عمر رضوان الله عليه، وقال: يا عدو الله! تقول هذا لرسول الله، وتفعل به ما أرى؟! والله لولا أني أخشى غضبه لضربت رأسك بسيفي هذا، فماذا قال النبي ﵊؟ قال: يا عمر! والله لقد كان من الواجب عليك أن تأمرني بأداء الحق، وأن تأمره بحسن الطلب، خذه يا عمر فأعطه حقه، وزده عشرين صاعًا من تمرٍ جزاء ما روعته، فأخذه عمر رضوان الله عليه فأعطاه حقه وزاده عشرين صاعًا من تمر؛ فقال له زيد بن سعنة: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله أن أدفعها لك جزاء ما روعتك، قال له: ألا تعرفني يا عمر؟ قال: لا أعرفك، قال: أنا زيد بن سعنة، قال: حبر اليهود؟ قال: نعم، قال: وما الذي حملك أن تفعل برسول الله ما فعلت، وأن تقول له ما قلت؟ قال: يا عمر لقد نظرت في علامات النبوة؛ فوجدت كل العلامات فيه، لكنني أردت أن أختبر فيه هاتين العلامتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهالة عليه إلا حلمًا، وهأنذا قد جربتهما اليوم فيه؛ فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله ﷺ، وتصدق بشطر ماله للفقراء والمساكين، وجاهد مع النبي ﷺ، وشهد معه معظم الغزوات، وقتل شهيدًا مقبلًا غير مدبر في غزوة تبوك) .
1 / 11