وانهالت عليه ضربا، فسقط طربوشه، وسال الدم من أنفه، ثم قبضت على ربطة رقبته وشدت عليها بعنف حتى اختنق صوته. وقد ذهل الجلوس، وحملقوا فيما يقع أمامهم بأعين دهشة؛ ولكن قلوبهم رقصت جذلا، ومنوا أنفسهم برؤية منظر بهيج مسل. في حين دعا صراخ أم حسين المعلمة حسنية الفرانة فجاءت مهرولة يتبعها زوجها جعدة فاغرا فاه. ثم ظهر بعد قليل زيطة صانع العاهات، ولكنه وقف بعيدا كأنه شيطان انشقت عنه الأرض. ولم تلبث نوافذ البيتين أن فتحت وأطلت منها الرءوس تستطلع ما هنالك. وأهاج الغضب المعلم كرشة، ورأى فتاه يتضور ملتويا، محاولا عبثا أن يخلص عنقه من قبضة المرأة القوية، فاندفع نحوهما ثائرا وهو يرغي زبدا كالفحول، وشد على ساعدي امرأته صائحا في وجهها: اتركيه يا مرة، وكفى فضيحة!
وأجبرت المرأة تحت ضغط زوجها على ترك غريمها وقد سقطت ملاءتها عند قدميها، فجن جنونها، وتعالى صراخها، وأمسكت بتلابيب المعلم وهي تصيح: أتضربني يا فاجر دفاعا عن رفيقك؟! اشهدوا يا ناس على الرجل الفاجر!
وانتهز الشاب فرصة إفلاته فتطاير خارج القهوة، وعدا لا يلوي على شيء. واستمرت المعركة بين المعلم وزوجته؛ هي تشد على تلابيبه، وهو يحاول دفعها والتخلص منها، حتى نهض إليهما السيد رضوان الحسيني وخلص بينهما. وتلفعت المرأة بملاءتها وهي تلهث، وصرخت بصوت كادت تتصدع له أركان القهوة: يا حشاش، يا مذهول، يا وسخ، يابن الستين، يا أبا الخمسة وجد العشرين، يا عرة، يا رطل، سفخص على وجهك الأسود.
فحدجها المعلم بنظرة قاسية وهو ينتفض من الانفعال، وصاح بها: لمي لسانك يا مرة، وسدي هذا المرحاض الذي يقذفنا بوسخه! - اقطع لسانك، ما مرحاض إلا أنت، يا خرع، يا مفضوح، يا ظل العيال.
فلوح لها بقبضته وهو يقول: تخرفين كعادتك. كيف سولت لك نفسك الاعتداء على زبائن القهوة؟
فضحكت المرأة ضحكة مروعة وقالت بسخرية مريرة: زبائن القهوة؟! العفو! ما قصدت زبائن القهوة بسوء؛ ولكني اعتديت على زبون المعلم الخصوصي!
وتدخل السيد رضوان مرة أخرى، وطلب من المرأة أن تمسك، وأن تعود إلى بيتها؛ ولكنها قالت وقد غيرت نبرات صوتها بجهد شديد: لن أعود إلى بيت الفاسق ما حييت.
فألح عليها، وتطوع عم كامل لمعاونته، فقال لها بصوته الرفيع الملائكي: عودي إلى بيتك يا ست أم حسين .. عودي ووحدي الله واسمعي كلام السيد رضوان.
وحال السيد بينها وبين مغادرة الزقاق، ولم يتركها حتى رجعت إلى البيت مظهرة السخط والتذمر. واختفى عند ذاك زيطة، وانسحبت حسنية الفرانة يسبقها زوجها، وقد لكمته في ظهره وهي تقول له: لا تفتأ تندب حظك وتقول ما لي أضرب من دون الرجال جميعا! أرأيت كيف يضرب أسيادك وأسياد من خلفوك.
وخلفت جعجعة المعركة صمتا ثقيلا. وتبادلت اللحاظ نظرات ساخرة تشي بالخبث والسرور، وكان أشد الحاضرين سرورا وارتياحا الدكتور بوشي، وهو الذي هز رأسه آسفا وقال في نبرات حزينة: لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أصلح الحال!
Неизвестная страница