قلت: ممن هذه الرسالة؟ وما هو مضمونها؟
قال: لا أدري. لقد دفعتها إلي يد الخفاء، وحجمها في نفسي يدلني على أنها ليست لي، ثم زاد وفي صوته إلحاح وكآبة: خذيها، هي لك! وستعلمين سرها ساعة تأخذينها وتناولينني رسالة أخرى لي عندك. كذلك قال لي الصوت المجهول الذي بعث بي إلى هذا المكان. خذي ما لك وأعطيني ما لي! •••
إلى بحر الأيام، حولت نظري طالبة إرشادا، إلا أن صوت الأمواج متشابه لمن لا يسأل، ولكن في أنة الأمواج لكل سائل جوابا، فارتفع الحباب قليلا قليلا ونمق لي الأمثولة بحروف فضية: «يقسم المرء الناس إلى غريب وعدو وصديق؛ فذاك يبتغي الدرهم متاجرا متأدبا، والآخر لا يظهر إلا معاندا معذبا منتقما، وهذا يتكلم باسما ودودا فينطلق صوته وبسمته إلى سويداوات القلوب، ويستقر صوته وبسمته في سويداوات القلوب. وما كان كل من هؤلاء إلا مؤدبا مرشدا إلى سبل الحياة، وما كان كل منهم إلا أستاذا يدرس عليه ما لا يعلم من سواه؛ لأنه يحمل في يده رسالة خفية قد أؤتمن عليها من آلهة الغيب والأسرار.» •••
على شط بحر الأيام سرت مع السائرين. ومن منهل الغبطة المتدفق في سكبت تعزية. ومن الشمس المنيرة في جناني وزعت أنوارا على الذين معي من السائرين. وزعت من شمس جناني أنوارا ومن منهل غبطتي تعزية على المحزونين من السائرين.
الذكرى الجديدة
أصبحت اليوم وبين يدي ذكرى جديدة حارة تتضور وتتأوه وتتلوى كالنفس المترددة بين البقاء والانتحار، وأخذتني منها شفقة فحملتها برأفة إلى معبد الأذكار القائم في أعماق روحي.
عبرت العتبة متأنية والتهيب يلاشي وقع خطواتي، وجثوت بين تذكارات متبحرات في شفق التأمل العميق؛ حيث لكل ميت مضى اسم، ولكل حدث انقضى رسم، فتقلصت التذكارات من ذواتهن الهيولية، وحنون علي هامسات وقلن: «نحن فيك وأنت فينا.»
فرددت همسهن وقلت: «أنا فيكن وأنتن في.»
ونهضت بالذكرى الجديدة أعين لها مستقرا، فاستوت على متوسط المذبح، وأخذت أنسق أمامها طاقات الأزهار، وأنثر على جوانبها فرائد العطر والندى، وأوقد حولها الشموع والمصابيح، وأذكي نار المجامر بالمر واللبان، ثم وقفت أرقبها بانشراح؛ إذ رأيت الهدوء يباغت اضطرابها وتوجعها.
وفي النهاية مشيت متراجعة إلي المدخل. وبعد نظرة الوداع غادرت معبد الأذكار وبي ارتياح من أدى واجبا عزيزا، وفخر من أتى أمرا عظيما. •••
Неизвестная страница