وكان لليهود والنصارى نفوذ كبير في بعض الدول في هذا العصر. وكان المسلمون في أول أمرهم لا يرضون باستخدامهم في شئون الدولة؛ فقد روي أنه ذكر لعمر بن الخطاب غلام كاتب حافظ من الحيرة، وكان نصرانيا، فقيل له: لو اتخذته كاتبا؟ فقال: «لقد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين.»
108
فعمر بن الخطاب كان يحسن معاملتهم ولا يستعين بهم في الأعمال، ولكن ذلك لم يدم طويلا، فاستخدموا في الأعمال من عهد معاوية. وفي عصرنا هذا الذي نؤرخه كثر استخدامهم، وزاد سلطانهم؛ فيقول المقدسي: «وقلما ترى به (الشام) فقيها له بدعة أو مسلما له كتابة، إلا بطبرية فإنها ما زالت تخرج الكتاب، وإنما الكتبة به وبمصر نصارى.»
109
وفي القرن الثالث ولي في بعض الأحيان ديوان الجيش نصراني، وكان المسلمون يقبلون يده، قال الصابي في كتابه الوزراء: «إن علي بن عيسى قال لابن الفرات: ما اتقيت الله في تقليدك ديوان جيش المسلمين رجلا نصرانيا، وجعلت أنصار الدين وحماة البيضة يقبلون يده ويمتثلون أمره؟! فقال له ابن الفرات: ما هذا شيء ابتدأته ولا ابتدعته، وقد كان الناصر لدين الله قلد الجيش إسرائيل النصراني كاتبه، وقلد المعتضد ملك بن الوليد النصراني كاتب بدر!! فقال علي بن عيسى: ما فعلا صوابا. فقال ابن الفرات: حسبي الأسوة بهما وإن أخطآ على زعمك.»
110
وذكر «عريب» في كتابه «صلة تاريخ الطبري» في حوادث سنة 320ه أن «أبا الجمال الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب كان يسعى دهره في طلب الوزارة، ويتقرب إلى مؤنس وحاشيته ويصانعهم، حتى جاز عندهم وملأ عيونهم، وكان يتقرب إلى النصارى الكتاب بأن يقول لهم: إن أهلي منكم، وأجدادي من كباركم، وإن صليبا سقط من يد عبيد الله بن سليمان جده في أيام المعتضد، فلما رآه الناس قال: هذا شيء تتبرك به عجائزنا فتجعله في ثيابنا من حيث لا نعلم - تقربا إليهم بهذا وشبهه - يعني إلى مؤنس وأصحابه».
111
وكان لعضد الدولة البويهي في بغداد وزير نصراني اسمه نصر بن هارون، وقد أذن له عضد الدولة في عمارة البيع والديرة وإطلاق الأموال لفقراء النصارى.
112
Неизвестная страница