Лидеры реформ в современную эпоху
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Жанры
ويجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ما يحل محله؛ ومعرفة الغاية معرفة دقيقة واضحة؛ ومتى وضحت الغاية المرسومة يجب السعي في إقناع الناس بها واستجلاب رضاهم عنها وحملهم على النداء بها، ويجب أن ينشر ذلك في كل الطبقات حتى يصبح عقيدة، فيتلهفوا جميعا على نيل الحرية وتحقيق المثل الذي ينشدونه: عندئذ لا يسع المستبد إلا الإجابة طوعا أو كرها.
وقد حدد في ثنايا كتابه، ماذا يقصد بالحكومة المستبدة، فقال: إنها تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق، كما تشمل حكومة الجميع لو منتخبا إذا استبد، بل قد يكون هذا الحكم أضر من استبداد الفرد. ويدخل في أنواع الاستبداد أنواع الاستعمار، فالمستعمر تاجر لا يرى إلا مصلحته؛ ولا عبرة بأسماء أنواع الحكومات إنما العبرة بحقيقتها، وكل أمة فيها لون من ألوان الاستبداد، ولكنها تختلف فيه كمية وكيفية، فبعضها يمسه الاستبداد مسا خفيفا، وبعضها تغرق فيه من قدمها إلى مفرق رأسها. والغرب سبق إلى تقدير معنى الحرية والعدالة؛ ولكنه لا يأخذ بيد الشرق؛ بل يستغله لمصلحته، وواجب الغرب أن يرعى للشرق سابق فضله، فيأخذ بيده ليخرجه إلى أرض الحياة، ويعامله معاملة الأخ لأخيه، لا السيد لعبده ليتعاونا بعد على السير بالإنسانية.
وبهذا ينتهي الكتاب؛ وهو فيه قوي مخلص مملوء غيرة وأسفا وتلهفا على رفع نير الاستبداد عن الشرق؛ وهو أن استمد الفكرة من العرب؛ فهو يبسطها ويعدلها ويعني بتطبيقها، وقد يؤخذ عليه عصر نفسه في دائرة النظريات. وكان الكتاب يكون أوقع في النفس لو ملأه بالشواهد وما رأى وسمع من أحداث وهو معروف بسعة الاطلاع، فلو قرن النظريات بالشواهد لكان كتابه أكثر فائدة وأعم نفعا، ولكن يظهر أن قد منعه من ذلك أنه أراد أن يستتر فأخفى اسمه ولم يضعه على الكتاب؛ وقال في مقدمة الكتاب: إنه لم يقصد ظالما بعينه ولا حكومة مخصوصة، ولو أتى بالشواهد لدل على الحكومة التي قصدها، ودل بذلك على نفسه، وما كان في ذلك من ضرر، بل كان فيه كل النفع؛ ولكن الأمور تقدر بأوقاتها وظروفها، وهو فيما اكتنفه من ظروف كان في عرضه النظريات فقط شجاعا جريئا.
4
أما كتابه الثاني «أم القرى» فأدل على الابتكار وأوضح في إظهار الشخصية، يقف فيه من المسلمين موقف الطبيب من المريض، يفحص داءه ويتعرف أسبابه، ويصف علاجه في أسلوب قصصي جذاب، تحدث فيه عن جمعية من المسلمين عقدت في مكة حضرها ممثل أو أكثر لكل قطر إسلامي، فعضو شامي، وعضو سكندري، ومصري ومقدسي ويمني وبصري ونجدي ومدني ومكي وتونسي وفاسي وإنجليزي ورومي وكردي وتبريزي وتتري وقازاني وتركي وأفغاني وهندي وسندي وصيني، وأسندت رياسة الجمعية للعضو المكي، والسكرتارية للسيد الفراتي - وعني به الكواكبي نفسه - واجتمعوا كلهم قبيل الحج في مكان متطرف في مكة يتداولون في حال المسلمين؛ وكان أول اجتماع لهم في 15 ذي القعدة سنة 1316ه.
فهل كانت هذه الجمعية حقيقة أو هي من نسيج خياله؟ يقول هو: إن لها أصلا من الحقيقة، وإن الخيال تممها، فهل هذا صحيح، أو هو من قبيل تأييد الخيال كما يفعل كثير من الروائيين؟ أرجح الرأي الثاني.
على كل حال انعقدت الجمعية - فيما يقول - ووضع الرئيس منهج البحث، وهو الكتمان، لأنه أدعى إلى إفضاء كل ما في نفسه في صراحة، وتناسى الاختلاف في المذاهب، فلا سني وشيعي، ولا شافعي وحنفي، فالكل مسلم. ثم التحرر من اليأس في الإصلاح ، فهذه أمم كثيرة كالرومان واليونان واليابان، استرجعت مجدها بعد تمام ضعفها، خصوصا وأن الظواهر كلها تدل على أن الزمان قد استدار، وبدأت تظهر أعراض الصحة على المسلمين، ومن أعظم الظواهر انعقاد مثل هذه الجمعية ووضع برنامج المؤتمر، يتلخص في بحث موضع الداء في المسلمين وأعراضه وجراثيمه ودوائه وكيفية استعماله، إلخ.
قال الرئيس: إن أوضح عرض من أعراض مرض المسلمين فتورهم، وهو فتور عام شامل لجميع المسلمين في جميع أقطار الأرض، لا يسلم منه إلا أفراد شذاذ، حتى لا يكاد يوجد إقليما متجاوران، أو ناحيتان في إقليم، أو قريتان في ناحية، أو بيتان في قرية، أهل أحدهما مسلمون وأهل الآخر غير مسلمين، إلا والمسلمون أقل من جيرانهم نشاطا وانتظاما، وأقل إتقانا من نظرائهم في كل فن وصنعة - مع أن المسلمين في جميع الحواضر متميزون عن غيرهم من جيرانهم في المزايا الخلقية مثل الأمانة والشجاعة والسخاء - حتى توهم كثير من الحكماء أن الإسلام والنظام لا يجتمعان! فما هو السبب؟
وقد لفت نظره العضو الهندي إلى أنه مع تسليمه بما قال الرئيس، يود أن يستثني بعض حالات فيها المسلمون خير من جيرانهم، كبعض الوثنيين في الهند، والصابئة في العراق، فوافقه الرئيس وشكره على ملاحظته.
ثم أخذوا - بعد التسليم بوجود العرض - يبحثون في الأسباب وذهبوا في ذلك كل مذهب، فالشامي رأى أن سبب الفتور يرجع إلى ما أصاب المسلمين من عقيدة جبرية، فهذه العقيدة في القضاء والقدر على هذا النحو آلت إلى الزهد في الدنيا، والقناعة باليسير والكفاف من الرزق، وإماتة المطالبة النفسية كحب المجد والرياسة، والإقدام على عظائم الأمور، فأصبح المسلم كميت قبل أن يموت. والعقيدة بهذا الشكل مثبطة معطلة لا يرضاها عقل، ولم يأت بها شرع.
Неизвестная страница