هارون دون صلب موسى ، ولم يكن لأحد أن يقول : لم فعل الله ذلك ، وإن الإمامة خلافة الله عز وجل ، ليس لأحد أن يقول : لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأن الله تعالى هو الحكيم في أفعاله ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
( قال إني جاعلك للناس إماما ) استئناف إن أضمرت ناصب «إذ» ، وهو «اذكر» مثلا ، كأنه قيل : فما ذا قال له ربه حين أتمهن؟ فأجيب بذلك. أو بيان لقوله : «ابتلى» فتكون الكلمات ما ذكره من الإمامة وتطهير البيت ورفع قواعده والإسلام. وإن نصبته ب «قال» فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها. وجاعل من «جعل» الذي له مفعولان. والإمام اسم لمن يؤتم به على زنة الإله ، كالإزار لما يؤتزر به ، أي : يأتمون بك في دينهم ، وإمامته عامة ، إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته ، مأمورا باتباعه.
وقوله : ( قال ومن ذريتي ) عطف على الكاف ، كأنه قال : وجاعل بعض ذريتي ، كما يقال لك : سأكرمك ، فتقول : وزيدا. والذرية نسل الرجل ، فعلية أو فعولة ، قلبت راؤها الثالثة ياء ، كما «تقضيت» في «تقضضت» ، من الذر بمعنى التفريق. أو فعولة أو فعيلة ، قلبت همزتها ياء ، من الذرء بمعنى الخلق.
والمعنى : قال إبراهيم بعد أن جعله الله إماما للناس ليأتموا به في دينهم ، ويفوزوا بخير الدارين بتدبيره ، وتنتظم أمورهم بسياسته : اجعل يا رب بعض ذريتي إماما.
( قال لا ينال عهدي الظالمين ) أي : من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة ، وإنما يناله من لا يفعل ظلما. فهذا الجواب إجابة إلى ملتمسه ، وتنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة لنفسهم أو لغيرهم ، وأنهم لا ينالون الإمامة ، لأنها أمانة من الله تعالى وعهد ، والظالم لا يصلح لها ، وإنما ينالها البررة الأتقياء منهم.
Страница 226