وقيل : المراد من هذا الإهباط هو الإهباط الأول ، وتكراره للتأكيد. وقيل : الإهباط الأول إنما كان في حال عداوة بعضهم لبعض ، والثاني إنما كان للابتلاء والتكليف ، كما يقال : اذهب سالما معافي ، اذهب مصاحبا ، وإن كان الذهاب واحدا ، لاختلاف الحالين.
فبعد بيان حال الاولى بين الثانية بقوله : ( فإما يأتينكم مني هدى ) أي : بيان ودلالة برسول ابعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم. وعلى هذا القول يكون الخطاب في قوله : ( اهبطوا ) لآدم وحواء وذريتهما ، و «ما» مزيدة أكدت به «إن» ولذلك حسن تأكيد الفعل بالنون ، وإن لم يكن فيه معنى الطلب. والمعنى : إن يأتينكم مني هدى بإنزال أو إرسال ( فمن تبع هداي ) بأن يقتدي برسولي ويؤمن به وبكتابه ( فلا خوف عليهم ) من العقاب فضلا عن أن يحل بهم مكروه ( ولا هم يحزنون ) على فوت الثواب والمحبوب فيحزنوا عليه. وأما الخوف والحزن في الدنيا فإنه يجوز أن يلحقهم ، لأن من المعلوم أن المؤمنين لا ينفكون منه. وجواب الشرط الأول الشرط الثاني مع جوابه.
والآية تدل على أن الهدى قد تثبت ولا يحصل الاهتداء ، وأن الاهتداء إنما يقع بالاتباع والقبول.
وإنما جيء بحرف الشك وإتيان الهدى كائن لا محالة للإيذان بأن الإيمان بالله والتوحيد لا يشترط فيه بعثة الرسل وإنزال الكتب ، وأنه لو لم يبعث رسولا ولم ينزل كتابا كان الإيمان به وتوحيده واجبا ، لما ركب فيهم من العقول ، ونصب لهم من الأدلة ، ومكنهم من النظر والاستدلال.
وكرر لفظ الهدى ولم يضمر لأنه أراد بالثاني أعم من الأول ، وهو ما أتى به الرسل واقتضاه العقل ، أي : فمن اتبع ما أتاه مراعيا فيه ما يشهد به العقل فلا خوف عليهم ، والخوف إنما يكون على المتوقع والحزن على الواقع ، فنفي عنهم العذاب
Страница 132