============================================================
على البقاء في دائرة الحقل الدلالي الواحد، ويسعى في الوقت نفسه إلى أن لا تفلت منه مادة لغوية مهمة.
والواقع أن تصنيف المواد الذي اتبعه يخضع لخطة دقيقة واضحة لم يتطرق لذكرها أبو حاتم، لكنها تنطوي ضمنا على رؤية نقدية توجه اختياره لهذا التصنيف. فهو قد بدأ معجمه باسم الجلالة، كما هو متوقع من مسلم تقي، ثم تناول أسماء الله الحسنى ومعانيها، وبعد أن استوفاها كحقل دلالي مستقل، تعرض للمصطلحات "العلوية" مثل الملائكة والشياطين، والجنة والنار، والجحيم والفردوس. وبإكمال مادة "القيامة" ، تكون قد اكتملت دائرة من الحقول الدلالية المتعلقة بالعالم "العلوي" . بعدها مباشرة تبدأ مادة "العالم" ، الذي يشترك فيه عالم الجن والإنس، والآخرة والدنيا، ثم البروج والفلك، والشمس والقمر، مما يمكن أن يدك على العالم "المتوسط" بين السماء والأرض. وعلى الأرض، يعرض لمصطلحات مثل الإقليم وأسماء المواضع، والحيوان والروح والعلم والجهل والمعرفة، وغيرها من المصطلحات، التي تميز بني البشر في مختلف العصور والثقافات، ولم تكن خاصة بأمة من الأمم في العالم "السفلي" الأرضي.
وهذا التقسيم يتجاوب مع فكرة "العوالم الثلاثة" التي أشار إليها المؤلف في مادة "العالم" عندما كتب قائلا : "قال بعض الحكماء: العوالم ثلاثة؛ عالم علويا وعالم وسط، وعالم سفلي. فالعالم العلوي عالم العقل، والعالم الأوسط الفلك وما فيه، والعالم السفلي ما دون الفلك إلى مركز الأرض. قال: وفعل العالم الأعلى في العالم الأصغر بتوسط من العالم الأوسط. والإنسان هو العالم الصغير، قد جمع فيه أجزاء العوالم الثلاثة، فجعل له من العالم الأعلى العقل، ومن العالم الأوسط الحركة، ومن العالم السفلي الطبائع . فمن أجل ذلك خص بهذا الاسم من بين جميع العوالم، لأنه نظير للعوالم كلها"(1). ومن المحتمل أن هذه الفكرة كانت قد تبنتها الإسماعيلية في عصر المؤلف، غير أن مرجعها النهائي الفلسفي اليوناني هو فرفوريوس الصوري في كتابه عن "آراء الفلاسفة في طبيعة الفلك" .
(1) الزينة، مادة (العالم) .
Страница 62