============================================================
إلى الشعراء الفحولة، مما رواه القدماء، واشتهر في دهرنا هذا، فإن الاحتجاج به، والاقتداء بما رسمه الماضون من العلماء باللغة جائز. ولا يقدر أحد على الزيادة والتقصان فيه، بل الاحتجاج بكثير من قول المخضرمين، بل المحدثين الذين لم يلحقوا شأو أولئك، وتأخروا عن دهرهم، غير منكر ولا مدفوع عند أهل المعرفة، لأنهم قد رووا الشعر الأول، وحفظوا الغريب من الكلام، والذي قالوه من الشعر فعلى بصيرة منهم بمذاهب العرب، وجاز لنا الاقتداء بهم، والرجوع إلى قولهم في هذه المعاني. وإنما أنكر هذا أولئك الرجال(1) الذين لعبوا بهذا الشأن العبا حذقا به، وتمكنا منه، مثل أبي عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمدا والأصمعي وأبي عبيدة وغيرهم، وأصحاب النحو من أهل الكوفة والبصرة المذكورين، الذين كانوا ينقدون الألفاظ على الشعراء، ويتتبعون سقطاتهم، ولم يخف عليهم من ذلك شيء، إلا النبذ اليسيرة. وكانوا أئمة للشعراء المحدثين في الغة والغريب، يأخذون عليهم في الخطأ في قولهم، ويكشفون عن عواره، و يفطنون الشاعر البدوي لما لا يفطن له، كما فطن النابغة حين أقوى(2) في قوله: [الكامل] زعم البوارح أن رحلتنا غدا وبذاك خبرنا الغراب الأسود لأن القوافي كانت(4) مجرورة. فلما فطن لذلك، رجع عنه، فقال: وبذاك تنعاب الغراب الأسود.
وإنما كانوا يتركون الاحتجاج بقول المحدثين، ومن خالط الحضريين، لأنهم خرجوا عن طبع البدويين الخلص، الذين طبعوا على اللغة الصحيحة، وتكلفوا القول، وكثر الهفو في كلامهم، والخطأ في قولهم، وذهب عليهم الغامض من (1) الرجال : زيادة من م وأخواتها، سقطت من ب.
(2) الإقواء : تغير الحركة الإعرابية للروي، أو آخر القافية ، مثلا من رفع إلى كسر أو نصب، أ و غير ذلك.
(3) ديوان النابغة الذبياني ص 89. وانظر في هذا الإقواء الشعر والشعراء لابن قتيبة 156/1، والأغاني 9/11.
(4) كانت : سقطت من ب.
Страница 137