============================================================
من الناس هممهم، حتى جعلوا له ديوانا (1) يفزع إليه، ويعتمد عليه، وجعلوه للغة العرب معيارا. فإذا وجدوا اللحن في كلامهم وزنوه به، فقوموه، لأن اللحن يزيل الحرف عن معناه، ويحيد به عن سننه . وليس هذا لسائر الأمم. وهو علم جسيم اا لهه خطر عظيم.
قال الفراء(2) : نظرنا في الكلام، فوجدنا أبلغه عند ذوي العقول(3) والألباب وأبقاه في الحكم والآداب، وأخفه على سامعه والحامل له ما كان أوجزه وأجمعه و أدله على ما يحيط به الكثير، ووجدنا للعرب في ذلك فضلا على جميع الأمم اختصاصا من الله عز وجل، وكرامة أكرمهم بها، فبعث منهم رسوله محمدا صلى اله عليه وآله، وأنزل عليه(4) قرآنا بلسان عربي مبين. ثم نظرنا في السمات التي وسمت العرب بها كلامها في الخفض والنصب والرفع، فوجدناهم أدخلوا ذلك ال لايجاز في القول، والاكتفاء بقليله الدال على كثيره، فقالوا: "ضرب أخوك أخانا"، فدلوا برفع أحد الأخوين ونصب الآخر على الفاعل والمفعول به . ولو كان مخرج الكلمتين واحدا لقيل: "ضرب أخوك أخونا"، أو "أخاك أخانا"، فلم يكن فيهما فرق يدل السامع على الضارب من المضروب. وكذلك سموا معنيين باسم واحد، فاجتمع لهم التوسعة في الكلام، والإيجاز في القول. من ذلك أن الضرب" كلمة واحدة تحتها تفسير بوجوه. فقالوا للضرب في الوجه "لطما" ، وفي القفا "صفعا"، وفي الرأس "نقفا" و"شجا"، إذا أدمى، في أشياء كثيرة لا تحصى.
وكان قولهم "لطم فلان" أوجز من قولهم "اضرب على وجهه"، وقولهم "صفع فلان" أوجز من قولهم "ضرب على قفاه". فوسموا الحرفين كلأ منهما بسمة، فعبرت عن كلمتين. كأنه رمز في كلامه للخطيب، وأوضح المعنى للتقريب.ا وجدنا للعرب في ذلك فضلا على جميع الأمم، إن أرادوا الإخبار عن اللطم (1) في المطبوع : ديونا .
(2) أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، مؤلف كتاب "معاني القرآن" ، وسيعتمد عليه المؤلف كثيرا ، توفي سنة 207 . ترجمته في نزهة الألباء ص 81، طبقات الزبيدي ص 143 ، المعارف لابن قتيبة ص 545، وفيات الأعيان 176/6، وفيه مصادر أخرى .
(3) في المطبوع: عند ذوي العقل والألباب.
(4) في المطبوع : عليهم.
Страница 107