نورت يا قطن النيل، يا حلاوة عليك يا جميل.
اجمعوا يا بنات النيل يالا ده ما لوهش مثيل، قطن ما شاء الله ...
داخل العربة البوكس وهو جالس يداه مكبلتان بالحديد، تراءت له صورة جدته زكية، كانت طويلة القامة شامخة الرأس، يداها كبيرتان مشققتان تمسك بهما الفأس، عيناها سوداوان واسعتان تتسعان لغضب العالم، أمسكت الفأس ذات يوم وهبطت به على رأس العمدة، ثم ألقت بالفأس، واستلقت على الأرض في راحة أبدية.
لم تنقطع الصلة بين مجيدة الكاتبة وزينة بنت زينات. منذ الطفولة كان شيء يجذب كلا منهما للأخرى رغم الاختلاف، أصبحت مجيدة تملك عمودا في مجلة النهضة، يساعدها في كتابته أبوها وأمها، في أعماقها تكره مجيدة حروف اللغة والكتابة الموروثة عن أبيها وأمها، وجسمها القصير القامة الموروث عنهما أيضا، والفيلا الكبيرة في جاردن ستي، على بابها الخارجي قطعة نحاس لامعة، محفور عليها اسما أبيها وجدها: «فيلا الخرتيتي.» كلمة الخرتيتي تلتصق باسمها وجسمها كالعضو المشوه.
حديقة كبيرة تحوط البيت الكبير من الطوب الأحمر، تنمو فيها الأشجار والزهور والورود، يحوطها سور حديدي تنمو فوقه شجرات الياسمين والبوجانفيليا، أو الجهنمية، بزهورها الصفراء والبيضاء والحمراء بلون دم الغزال.
يبدو المكان من الخارج جميلا مبتهجا. داخل المكان يقبع القبح في الأركان، يتخفى الكره تحت المفارش الحريرية المشغولة بخيوط ملونة زاهية.
كانت سيارة كبيرة سوداء تحملها من البيت إلى المدرسة يقودها سائق أسود البشرة، يسمونه «الشوفير». قبل أن تنام مجيدة تأخذها «دادا» إلى الحمام، تغسل جسمها بالماء الدافئ والصابون المعطر، تجففها بالبشكير الأبيض الكبير، تحملها إلى السرير، تحكي لها قصة سندريلا والأمير حتى يغلبها النوم.
في أحلامها ترى مجيدة نفسها تحلق في السماء مثل العصافير، لم يعد لها جسم مملوء باللحم الثقيل، ذراعاها تتحركان في الهواء بقوة وسرعة، جناحان كبيران يخفقان يرفرفان، ينعكس عليهما ضوء الشمس وضوء القمر بلون ملائكي أبيض، أصابعها لم تعد قصيرة سمينة طرية، أصبحت مثل أصابع زينة بنت زينات، طويلة نحيفة صلبة، تجري فوق أصابع البيانو جريانا أسرع من موجات الضوء. تمسكها أبلة مريم في حصة الموسيقى، ترفعها إلى أعلى لتراها البنات كلهن، تقول بصوت عالي يصل إلى جميع الآذان، بما فيها آذان أبيها وأمها وعمها وجدها والجيران في جاردن ستي، والبوابين الجالسين أمام العمارات، والحلاق في الميدان، يسمونه الكوافير، والشوفير الذي يقود السيارة، ودادا التي تحكي لها قصة سندريلا قبل أن تنام: «أصابعها خلقت للموسيقى. مجيدة بنت موهوبة، ليس لها مثيل بين البنات.»
صوت أبلة مريم يرن في الحلم مثل اللحن الناعم يدغدغ أذنيها، تسري الدغدغة من الأذنين إلى العنق إلى صدرها، إلى النهد الأيسر فوق القلب تحت الضلوع، يزحف برقة إلى البطن، أسفل البطن. يرتجف قليلا فوق العانة الملساء الناعمة، لم ينبت فيها الشعر بعد، ينزلق فوقها إلى الفخذ اليسرى، يمضي في طريقه المعتاد إلى الساق اليسرى حتى النهاية في بطن القدم اليسرى، يدغدغها كما تعود منذ البداية أن يفعل، يمنحها اللذة القديمة الجديدة، مع الإحساس الطاغي بالإثم.
لم تعرف مجيدة في طفولتها كيف تتحول الموسيقى في أحلامها إلى لذة آثمة، تكاد تشبه إصبع الشيطان رغم الاختلاف، كانت الموسيقى تهبط من أذنيها إلى بطن قدمها، لكن إصبع الشيطان كانت تصعد من بطن القدم إلى أعلى حتى مركز الكون.
Неизвестная страница