ووجد زيتون صورة من صور أحمد، كان لديه من صور أحمد ما يزيد على صوره الشخصية، كان مما يكاد يبعث على الضحك كثرة الصور التي كان أخوه يلتقطها ويحتفظ بها ويوزعها على أفراد الأسرة، كان يوثق كل ميناء وكل سفينة. في هذه الصورة ، كان يشترك مع أفراد الطاقم في شواء شيء ما، حيوان من نوع ما، وحدق زيتون في الصورة، كان الحيوان أشبه بكلاب السباق: «هل هذا محتمل؟» لا! كان زيتون يرجو ألا يكون ذلك كلبا، وكان الكلام المكتوب فوق الصورة يقول: «عيد الفصح 1978». وفي صورة أخرى كان أحمد يقف في منتصف وسط مدينة نيو أورلينز. وحين كان زيتون يشاهد هذه الصورة، وصورا أخرى كثيرة لأحمد وهو يقف أمام هذه المدينة أو ذلك الموقع الأثري، كان دائما يفكر في الناس الذين كان أحمد يطلب منهم التقاط الصور، لا بد أن أحمد قابل ألف شخص في هذه الرحلات، وكان دافعه الأول أن يعثر على من يساعده على تسجيل حقيقة تقول: «أحمد زيتون، ابن مدينة جبلة في سوريا، كان هنا.» هنا في طوكيو. هنا في أمريكا. هنا في الهند.
مدينة نيو أورلينز، الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1978.
عيد الفصح اليوناني، ألتامار، سفينة «إم في جليفادا»، عام 1978.
مدينة تسكومي، اليابان، عام 1976.
دبي، عام 1978.
وبينما كان أحمد يشاهد كل ركن من أركان الأرض بسرعة ركنا بعد ركن، كان زيتون ما زال في دياره، في جبلة، ويريد الخروج. كان زيتون يشعر بأن حياته خاوية في هذه الديار، ولم يعد يطيقها، وفي الأيام التي كان يعمل فيها في حانوت أخيه لطفي لبيع مواد البناء، كان يسمع القصص عن مغامرات أحمد المتواصلة، وعن رحلاته إلى الصين، وأستراليا، وجنوب أفريقيا، وهولندا، وكان زيتون يعرف أن أباه لم يكن ليوافق لو كان حيا، ولكنه رحل الآن، ورحل محمد أيضا. لم يكن زيتون يريد أن يتسمر في مكانه في جبلة.
كانت والدته تدرك مشاعره، كانت قد سمعت وقع خطاه في الطابق العلوي وهو يغدو ويروح كالحبيس، وشاهدت الشوق في عينيه عندما كان يحادث أحمد تليفونيا، وهكذا بادرت بنفسها ذات يوم فاتصلت بأحمد وطلبت منه أن يصطحب أخاه الأصغر، وقالت إن الوقت قد حان لعبد الرحمن لكي يغادر جبلة وينطلق، ولو لفترة محدودة، تاركا داره التي أصبح الحزن يغمرها.
واتصل أحمد تليفونيا بأخيه الأصغر وأخبره أنه سوف يبحر بعد أسابيع معدودة، وانعقد لسان زيتون. قبل سماعة التليفون، وقبل أمه وأخواته، وعندما حان الوقت، جمع عدة أشياء في حقيبة ولحق بأحمد في اليونان.
وفي أول رحلة لزيتون، كان مجرد عامل على ظهر السفينة، أصغر رجل فيها، وحياه أعضاء طاقم السفينة الذين ينتمون إلى شتى البلدان - جنوب أفريقيا وتركيا ونيجيريا - ورحبوا به أصدق ترحيب، وكان زيتون يعتقد في قرارة نفسه أن أخاه أحمد يعامله معاملة أقسى من معاملته الآخرين، كيما ينفي أي اشتباه في المحاباة، ولكنه لم يأبه بذلك، فاستغرق في عمله الذي يتضمن الغسيل والطلاء والنقل، كان يؤدي الأعمال التي يعزف الآخرون عن أدائها.
وأبحروا ما بين بيراوس وناخوس ذهابا وإيابا، وكان زيتون مولعا بذلك كله عاشقا له، فأطلق شعر رأسه، وكان يقضي وقت فراغه على ظهر السفينة في التطلع إلى ما حوله ومشاهدة الماء مقبلا على السفينة ومختفيا وراءها. وعلى الرغم من قسوة جدول العمل - أربع ساعات في الخدمة وأربع ساعات للراحة - ليلا ونهارا، فلم يكترث لذلك، ولم يكن في حاجة إلى النوم، أو لم يكن وقت حاجته إلى النوم قد حان بعد.
Неизвестная страница