وجلس زيتون وجعل يحدق في الصورة دقيقة أو نحوها قبل أن يعيدها إلى الصندوق. •••
لم يستطع النوم داخل المنزل. كانت حرارة الجو قد ازدادت تلك الليلة، ولم يكن يستطيع أن يتحمل في نيو أورلينز مثل هذه الحرارة من دون جهاز التكييف، وأثناء رقاده فوق الملاءات التي بللها العرق خطرت له فكرة. قام فبحث في أحد الخزانات بالطابق العلوي عن خيمة كان قد اشتراها منذ سنوات بعيدة. وفي الصيف الماضي، أقام الخيمة في الفناء الخلفي للمنزل، وبات الأطفال فيها خارج المنزل عدة مرات، عندما انخفضت الحرارة فأتاحت ذلك.
أخرج الخيمة وزحف من نافذة غرفة نوم نديمة إلى السقف، كان الجو أقل حرارة، والنسائم تهب فتحرك الهواء الساكن، وكان سطح الجراج مستويا، فأقام الخيمة فوقه، وثبتها بالكتب وبعض قوالب الفحم، وسحب إحدى الحشايا التي ينام عليها الأطفال وحشرها حشرا من باب الخيمة ... كان الفارق شاسعا بين داخل المنزل وخارجه.
رقد على الحشية وجعل يصغي إلى صوت حركة المياه، هل كانت لا تزال ترتفع؟ لم يكن ليدهش من ذلك. ولن يشعر بأي صدمة لو طلع الصبح فوجد أن مستواها قد وصل إلى اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة قدما بحيث تغمر الحي كله.
كان الظلام حوله تاما، والليل ساكنا باستثناء نباح الكلاب. كان يسمع النباح مقبلا من كل ركن من أركان الحي؛ إذ كان ذلك الحي حافلا بالكلاب وكان قد اعتاد نباحها في أثناء الليل، فقد يحدث في إحدى الليالي أن يصيب الهياج أحدها نتيجة شيء ما فيدفع الآخرين إلى النباح، في نوبات غير منتظمة من الدعوة والاستجابة، وقد يستمر ذلك ساعات متصلة حتى تهدأ الكلاب، كلبا كلبا، وتخلد إلى الصمت، ولكن هذه الليلة كانت مختلفة؛ إذ كان أصحاب هذه الكلاب قد خلفوها وراءهم، والآن تدرك الكلاب ذلك. كانت صيحات الكلاب تنم عن حيرة وعن غضب، وكانت تمزق الليل إربا إربا!
الأربعاء 31 من أغسطس
واستيقظ زيتون مع الشمس وزحف خارجا من خيمته، كان النهار مشرق الضياء، وحيثما نظر وفي أي اتجاه كان الماء يغمر المدينة، وعلى الرغم من أن كل ساكن في نيو أورليانز قد رسم في خياله صورة الطوفان العظيم، وكان يعرف أن مثل ذلك يمكن أن يقع في مدينة تحيط بها المياه وسدود سيئة التصميم، فإن ذلك المشهد في ضوء النهار كان يتجاوز أي شيء تخيله من قبل. لم يكن يستطيع أن يفكر إلا في يوم الحساب، وفي النبي نوح، وأيام المطر الأربعين. ومع ذلك فقد كان الصمت العميق والسكون الكامل في كل مكان. لم يكن شيء يتحرك قط. جلس على السقف وجعل يفحص الأفق؛ عله يشهد حركة من أي شخص، أو أي حيوان أو آلة. لا شيء.
وبينما كان يصلي الصبح، قطع الصمت صوت طائرة عمودية تنطلق فوق قمم الأشجار متجهة نحو وسط المدينة.
وألقى زيتون نظرة من السقف على الماء فوجده في المستوى الذي كان عليه في الليلة السابقة، وأحس ببعض الراحة حين أدرك أنه يحتمل أن يظل المستوى ثابتا بل أن ينخفض بمقدار قدم كاملة حين يصل إلى التوازن مع مستوى بحيرة بونشارتران.
وجلس زيتون خارج خيمته فتناول طعام الإفطار من بعض ما أنقذه من مخزون المطبخ، وكان يعرف - وإن لم تعد المياه الآن إلى الارتفاع - أنه لم يكن يستطيع أن يفعل شيئا في المنزل، لقد أنقذ ما استطاع إنقاذه، ولم يكن أمامه ما يمكن أن يفعله هنا حتى تنحسر المياه.
Неизвестная страница