لقد أعفوه من هذه الإهانة اليوم.
ووقف زيتون، ودفع أحد الجنود بقدمه الأوفرول الذي كان زيتون يرتديه داخل الزنزانة، ثم دفع زيتون فيها كذلك، وبينما كان زيتون يرتدي ثيابه تراجع الحراس عنه رافعين دروعهم، ثم خرجوا من الزنزانة.
وأغلق باب زيتون، وتجمع الحراس عند الزنزانة التالية، استعدادا للسجين التالي.
وعرف زيتون من السجناء الآخرين أن هذا التفتيش كان شائعا، وأن الحراس كانوا يبحثون عن المخدرات والأسلحة وغيرها من الممنوعات، وقالوا إن عليه أن يتوقع التفتيش مرة كل أسبوع.
السبت 17 من سبتمبر
قضى زيتون في الفراش جانبا كبيرا من النهار مرهقا منهكا؛ إذ لم يكن قد نام، وظل يستعرض التفتيش الذاتي في ذهنه معظم ساعات الليل، محاولا أن يمحو كل ذكرى له، لكنه ما إن يغلق جفنيه حتى يرى الرجال في زي مكافحة الشغب، على الجانب الآخر من باب الزنزانة، ينتظرون اقتحامها واقتناصه.
كان يبدو لزيتون أنه ظل على امتداد أسابيع يختلس ساعات نعاس بالنهار وسويعات بالليل، ولا يذكر آخر مرة استطاع أن يحظى فيه براحة تزيد على ثلاث ساعات متوالية.
لماذا فعل هذا بأسرته؟ لقد انكسر شيء ما في البلد، لا شك في هذا، ولكنه كان هو الذي بدأ كل هذا؛ إذ رفض مغادرة المدينة، ومكث فيها لرعاية ممتلكاته، ولحراسة عمله. ولكن شيئا آخر غلبه، إحساس قدري من لون ما. إحساس بأن الله قد وضعه هناك لينفذ مشيئة الله، وليسبح بحمده بالأعمال الصالحة.
بدا له هذا الآن مدعاة للسخرية. كيف سمح لنفسه بارتكاب هذا الذنب، ذنب الكبر والصلف؟ لقد ألقى بنفسه في التهلكة، وبذلك عرض أسرته للخطر. كيف فاته أن يدرك أن البقاء في نيو أورلينز المدينة التي تخضع لما يشبه الأحكام العرفية، سوف يعرضه للخطر؟ لم تكن حكمته تقضي بهذا، ولقد أبدى الحرص فعلا سنوات طويلة؛ إذ حافظ على تواضعه، وكان المواطن المثالي. لكنه في أعقاب العاصفة اعتقد أنه مرسل لمساعدة المشردين، واعتقد أن ذلك القارب الملعون قد منحه الحق في القيام بدور الراعي والمخلص، لقد فقد النظرة الصحيحة للواقع!
كان يتوقع أكثر مما ينبغي ويرجو أكثر مما ينبغي.
Неизвестная страница