بقيت في مكانها هنيهة ساكنة لا تبدي حراكا. ثم فردت ذراعيها من جديد، وأرسلت في الهواء تنهداتها، وتركت نفسها تذهب في أحلام يحييها النسيم، حتى أحست بالباب تفتحه أمها راجعة من أولى أدوار «الملية».
1
هنالك التفتت إلى أختها تهزها لتستيقظ. لكن الصغيرة كانت في نوم عميق فلم تنتبه، وتقلبت كأن بها ضيقا ممن يقلقها في مضجعها.. وأخيرا نادتها أمها: يا زينب..! - نعم..
ولم تزد على هذا الجواب كلمة. وبعد أن استيقظت أختها التفتت إلى أخيها وأيقظته. وحدقت نحو الشرق فإذا الأفق متورد، والشمس في لونها القاني والسماء قد خلعت قميص الليل. هنالك قامت فأوقدت نارا ولدنت فوقها رغيفا لكل منهم، ولم تنس أمها وأباها.
دخل أبوها راجعا من الجامع، وقد قرأ الورد وصلى الفجر، وما كاد يتخطى عتبة الدار حتى نادى: «يا محمد»، وسأله إن كان قد استيقظ بعد، وإن كان قد أعد عمله.
جلست العائلة جميعا حول «المشنة» وأكل كل منهم رغيفه «بحصوة» ملح. ثم قام الرجل وابنه إلى عملهما.
أما زينب فانتظرت مع أختها أن يمر بهما إبراهيم، ليذهبوا جميعا إلى مزرعة السيد محمود لتنقية القطن. وقد كان في أملهم جميعا أن ينتهوا اليوم من بر الترعة الغربي، أو كما يسميه كاتب المالك «نمرة» 20 لينتقلوا في الغد إلى «نمرة» 14.
نزلتا حين رأتا إبراهيم ومن معه مقبلين. وتهادى الكل «صباح الخير»، ثم خرجوا من الحارة إلى سكة البلد، ثم منها إلى سكة الوسط، وهكذا كانوا عند «نمرة» 20 ساعة مرور وابور الصبح. ولم يتمهلوا أن أخذ كل منهم خطه على وجه الترتيب الذي كانوا عليه أمس. فلما لم تجد خضرة القطعة سعدة بجوارها التفتت لزينب عن يمينها تسألها عنها، وهزت هذه الأخيرة أكتافها.
ارتفعت الشمس حين نقوا خطين، وأرسلت بشعاعها تغمر هاته الشجيرات التي ما تزال في مبتدأ حياتها، ومع ذلك يعنى بها الفلاح والمالك أكثر من عنايتهما بأبنائهما. واصطفوا للوجه الثالث بعد أن فصلهم عن الأولين مصرف، فلم ينس إبراهيم أن ينبههم إلى أن هذه الجهة أغلت من سابقتها، وتستحق لذلك عناية أكبر، وأنذرهم أنه سيدقق في مراقبتهم، ومن وجد وراءه شيئا أوراه شغله. •••
جاء الكاتب ساعة العصر يقيد الأسماء، فقيد حماره، ونزل وسط الغيط ليرى الأنفار بنفسه، وأراد بعضهم أن يحضر إليه ليسأله بعض دراهم، فعبس لهم وقطب حاجبيه. وبقي كذلك حتى انتهى من شأنه، ثم أخبرهم أخيرا أن لا دفع قبل يوم السوق.
Неизвестная страница