وقال مسلم بن الوليد:
سلوتُ وإنْ قالَ العواذلُ لا يسلو ... وأقسمتُ لا يرقَى إلى سمعيَ العذلُ
أجارتنا ما في فراقكِ راحةٌ ... ولكنْ جرَى قولٌ فأنتِ بهِ بَسلُ
أمَا واغتيالِ الدَّهرِ خلَّةَ بينَنا ... لقد غالَ إلفًا ساكنًا بهمُ الشَّملُ
فما بِي إلى مستطرفِ العيشِ وحشةٌ ... وإنْ كنتُ لا مالٌ لديَّ ولا أهلُ
تتالَى بكِ الأمرُ الَّذي تكرهينهُ ... إلى الحلمِ بالعُتبَى وقد سبقَ الجهلُ
عليكِ سلامٌ مِنْ أخٍ كانَ صاحبًا ... بهِ تنزلُ الشَّكوى ويحتملَ الثِّقلُ
إذا تمَّ حالٌ وهو غايةُ مَنْ بكى ... حلا بعدكِ العيشُ الَّذي قلتُ لا يحلُو
وهذا كلام يستغني قارئه بقراءته عن التَّنبيه على تناقضه واستحالته ولا عذر في ذلك إلاَّ غلبة الحيرة على قائله وفي دون هذه الحال ما يذهل العقول ويطيش الألباب وليس العجب ممَّن أخطأ في هذا وإنَّما العجب ممَّن أصاب.
وقال علي بن محمد العلوي:
لياليَ يألفُكَ الغانياتُ ... وكنَّ وكنتَ صغيرًا صغارا
وقد كنتَ تملكُ ألحاظهنَّ ... فصرنَ يُعرنكَ لحظًا مُعارا
فأصبحنَ أعقبنَ بعدَ الودادِ ... بعادًا وبعدَ السُّكونِ النَّفارا
لا غرَّني غررُ الحادثاتِ ... وقد كنتُ أوسِعُهنَّ اغترارا
وقال البحتري:
أَخفي هوًى في الضُّلوعِ وأُظهرُ ... وأُلامُ في كمدٍ عليكِ وأُعذرُ
وأراكِ خنتِ على النَّوى مَنْ لم يخنْ ... عهدَ الهوَى وهجرتِ مَنْ لا يهجرُ
وطلبتُ منكِ مودَّةً لم أُعطَها ... إنَّ المعنَّى طالبٌ لا يظفرُ
هل دَينُ عَلوةَ يُستطاعُ فيُقتضى ... أوْ ظلمُ عَلوةَ يستفيقُ فيُقصِرُ
وقال أيضًا:
تمادَى بها وجدِي وملِّكَ وصلَها ... خليُّ الحشا في وصلِها جدُّ زاهدِ
وما النَّاسُ إلاَّ واجدٌ غيرُ مالكٍ ... لِما يبتغِي أوْ مالكٌ غيرُ واجدِ
سقَى الغيثَ أكتافَ الحِمى مِنْ محلَّةٍ ... إلى الحِقفِ مِنْ رملِ اللِّوى المُتقاوِدِ
وقال آخر:
طلبتُ أخًا محضًا صحيحًا مسلَّمًا ... نقيًّا منَ الآفاتِ في كلِّ موسمِ
لأمنحَهُ ودِّي فلم أُدركِ الَّذي ... طلبتُ ومَنْ لي بالصَّحيحِ لمسلمِ
وقال الأحوص:
قد ودَّعتْكَ وداعَ الصَّارمِ القالي ... نعمْ وداعُ بناءٍ غيرَ إذلالِ
وعادَ ما ودَّعتني مِنْ مودَّتها ... بعدَ المواثيقِ كالجاري منَ الآلِ
فقلتُ لمَّا أتاني أنَّها ختَرَتْ ... وطاوعتْ قولَ أعدائِي وعذَّالي
إنْ تصرمِ الحبلَ أوْ تُرضِ الوشاةَ بنا ... أوْ تُمسِ قد رضيَتْ منَّا بأبدالِ
فقد أراها وما تبغِي بنا بدَلًا ... ولا تطيعُ بنا في سالفِ الحالِ
أبقَى لها الدَّهرُ مِنْ ودِّي الَّذي عهدتْ ... أمرَينِ لم يبرَحا منِّي علَى بالِ
شوقًا إليها إذا بتَّتْ مناسبَها ... يومًا وأبصرتُ منها رسمَ أطلالِ
وحفظَ ما استودعتْ عندِي وقد زعمتْ ... أنْ ليسَ يحسنُ حفظَ السِّرِّ أمثالِي
إنْ كانَ يُسلِي فؤادِي ما أتيتِ بهِ ... فلا رجعتُ إلى أهلي ولا مالي
جُهدًا لأُعلمَها الودَّ الَّذي عهدتْ ... عندِي وأكَّدتُ أقوالًا بأقوالِ
وقال أيضًا:
متى ما تُحلِّي مِنْ ذُرى الأرضِ تلعةً ... أزركِ ويكثرْ حيثُ كنتِ تردُّدي
وإنْ كدتُ شوقًا موهنًا وذكرتُها ... لأرجعُ بالرَّوحاءِ عَودِي علَى بَدِي
وقلتُ لعينِي قد شقيتُ بذكرِها ... فجودِي بماءِ المقلتينِ أوِ اجمُدي
أجدَّكَ تنسَى أُمَّ عمرٍو وذكرُها ... شعاركَ دونَ الثَّوبِ في كلِّ مرقدِ
فإنْ تتَّبعها تُغضِ عينًا علَى القذَى ... وإنْ تجتنبْها بعدَ ما نلتَ تكمدِ
أمَّا من دعته الضرورة إلى الصبر على من غدر به فلا مدخل لنا في أمره وأما من يتمنَّى لإلفه أن يميل إلى حبِّ غيره ليكون ذلك عاطفًا له عليه وداعيًا له إلى وصله فهو من الحمق في محلٍّ قلَّ ما يتهيَّأ مثله وما أحسب من هذه صفته يكون إلاَّ داخلًا في جملة من وقعت لهم المحابُّ لتنفيذ ضرب من الشَّهوات.
وقال بعض المحدثين:
1 / 67