ـ[زهر العريش في تحريم الحشيش]ـ
المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي (المتوفى: ٧٩٤هـ)
المحقق: د. أحمد فرج
الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة - مصر
الطبعة: الثانية،١٤١١ هـ - ١٩٩٠ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
وهو حسبي ونعم الوكيل. قال الشيخ العلامة بدر الدين الزركشي رحمه الله تعالى: أحمد الله على إنعامه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صفوة أصفيائه، وعلى آله وصحبه خير أوليائه وبعد:
فهذه فصول في الكلام على الحشيشة، اقتضى الحال شرحها لعموم البلوى لكثير من السفلة بها، وتوقف كثير من الناس في حكمها لما لم يجدوا فيها للسلف كلامًا.
1 / 87
الفصل الأول
في اسمها ووقت ظهورها
والأطباء يسمونها القنب الهندي، ومنهم من يسميها ورق الشهدانج، وتسمى بالغبيراء، وبالحيدرية، وبالقلندرية، ويقال: كل
1 / 89
ورقة منها بقدر أصابع اليد، ثم قيل: كان ظهورها على يد حيدر في سنة خمسين وخمسمائة تقريبًا؛ ولهذا سميت حيدرية، وذلك أنه خرج هائما بنفر من أصحابه، فمر على هذه الحشيشة، فرأى أغصانها تتحرك من غير هواء فقال في نفسه: هذا السر فيها، فاقتطف وأكل منها، فلما رجع إليهم أعلمهم أنه رأى فيها سرًا وأمرهم بأكلها.
وقيل: ظهرت على يد أحمد المارجي القلندي، ولذلك سميت القلندرية.
1 / 90
قال أبو العباس بن تيمية: إنما لم يتكلم فيها الأئمة الأربعة ﵏ وغيرهم من علماء السلف لأنها لم تكن في زمنهم، وإنما ظهرت في أواخر المائة السادسة، وأول المائة السابعة حين ظهرت دولة التتار.
وكذا قال غيره: إنها كانت شر داخل على بلاد العجم، حين استولى على من فيها التتار ثم انتقلت إلى بغداد وقد علم ما جرى على أهلها من قبيح الأثر.
1 / 91
الفصل الثاني
في مضارها في العقل والبدن
وذكر بعضهم أنه جُمع فيها مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية، وقد أجمع الأطباء على أنها تورث الفكرة، والفكرة تثير الحرارة الغريزية، وربما قويت على الحرارة الغريزية فعزلتها عن الجسد، واستولت على البدن فجففت الرطوبات واستعد للأمراض الحارة والسيئة والحمايات.
قال محمد بن زكريا الرازي: أكل ورق الشهدانق البستاني يصدع الرأس ويقطع
1 / 93
المنى ويجففه، ويولد الفكرة، والعلة في ذلك أن رطوبات الأبدان الكائنة على حد الاعتدال تقع تبعًا لبقاء الحيوان، فما يجفف الرطوبة منه فإنه مضر معين على إتلافه، وهو يورث موت الفجاءة، واختلال العقل، والدق، والسل، والاستسقاء، والأبنة.
1 / 94
وقال بعض الأئمة: كل ما في الخمر من المذمومات موجود في الحشيشة وزيادة، فإن أكثر ضرر الخمر في الدين لا في البدن، وضررها فيهما، وهي تشارك الخمر في السكر وفساد الفكر ونسيان الذكر وإفشاء السر وذهاب الحياء وكثرة المراء وعدم المروءة وكشف العورة وقمع الغيرة وإتلاف الكيس ومجالسة
1 / 95
إبليس وترك الصلاة والوقوع في المحرمات.
هذا بعض ضررها في الدين.
وأما البدن: فتفسد العقل، وتقطع النسل، وتولد الجذام، وتورث البرص، وتجلب الأسقام وتكسب الرعشة، وتنتن الفم، وتجفف المني، وتسقط شعر الأجفان، وتحرق الدم، وتحفر
1 / 96
الأسنان، وتظهر الداء الخفي، وتضر الأحشاء، وتبطل الأعضاء، وتضيق النفس، وتقوي الهوس، وتنقص القوى، وتقل الحياء، وتصفر الألوان، وتسود الأسنان، وتثقب الكبد، وتوهج المعدة، وتولد في الفم البخر، وفي العين الغشاوة، وقلة النظر، وفي المخيلة كثرة الفكر.
1 / 97
ومن أوصافها المذمومة أنها تكسب آكلها الكسل، وتورثه الفشل، وتجعل الأسد كالعجل، وتصير العزيز ذليلا، والصحيح عليلا، إن أكل لا يشبع، وإن أعطى لا يقنع، وإن كلم لا يسمع، تجعل الفصيح أبكما، والفطيح به أبلما، تسقط المروءة، وتزيل الفتوة، ثم إنها تفسد الفكرة، وتبلد الفطرة، وتخمد الفطنة، وتولد البطنة، تجعل الأكل فنه،
1 / 98
والنوم له مظنة، فهو بعيد عن السنة، طريد من الجنة، موعود من الله تعالى باللعنة، إلا أن يقلع من الندم سنه، ويحسن بالله تعالى ظنه، ولله در القائل:
وأصغر دائها والداء جم ... بغاء أو جنون أو نشاف
قلت: ومن أعظم دائها أن متعاطيها لا يكاد يتوب لتأثيرها في مزاجه، وأنت ترى أهلها أكثر الخلق ضلالًا وتجافيًا عن الاستقامة، وأقرب إلى الدنية
1 / 99
وأسفه أحلامًا، وأفسد تصرفًا، ولله در القائل:
قل لمن يأكل الحشيشة جهلا ... يا خسيسا قد عشت شر معيشة
دية العقل بدرة فلماذا يا سفيها قد بعتها بحشيشة
1 / 100
الفصل الثالث
في أنها مسكرة ومفسدة للعقل
والذي أجمع عليه الأطباء والعلماء لأحوال النبات أنها مسكرة منهم: أبو محمد عبدالله بن أحمد المالقى العشاب، ابن البيطار في كتاب: " الجامع لقوى الأدوية والأغذية " قال: ومن القنب الهندي نوع ثالث يقال له: القنب، ولم أره بغير مصر، ويزرع في البساتين، وتسمى الحشيشة أيضا، وهو يسكر جدا، إذا تناول منه الإنسان يسيرًا قدر درهم أو درهمين،
1 / 101
حتى إن من أكثر منه أخرجه إلى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم، وربما قتل.
وقال في علاجه: القيء بسمن وماء سخن حتى تنقى المعدة، وشراب الحماض لهم في غاية النفع.
وأما الفقهاء: فقد صرحوا بأنها مسكرة منهم: أبو إسحاق الشيرازي ﵀، في كتاب " التذكرة في الخلاف "، والشيخ محيي
1 / 102
الدين النووي ﵀ في " شرح المهذب "، ولا يعرف فيه خلاف عندنا، وقد يدخل في حدهم السكران، بأنه الذي اختلط كلامه المنظوم، وباح بسره المكتوم، أو الذي لا يعرف السماء من الأرض، ولا الطول من العرض. ويحكى عن بعض من تناولها أنه إذا رأى القمر يظنه لجة ماء، فلا يقدم عليه.
وبلغني عن أبي العباس ابن تيمية أنه قال: الصحيح أنها مسكرة كالشراب، فإن أكلتها ينشون عنها، ولذلك يتناولونها، بخلاف البنج وغيره،
1 / 103
فإنه لا ينشى ولا يشتهى. ولم أر من يخالفه في ذلك، إلا أبا العباس القرافي في قواعده فقال: نص العلماء بالنبات في كتبهم على أنها مسكرة، والذي يظهر لي أنها مفسدة. قال: وتحرير الفرق بين المفسد، والمرقد، والمسكر أن المتناول من هذه إما أن يغيب عنه الحواس أو لا، فإن غابت عنه الحواس كالسمع والبصر واللمس والشم والذوق فهو المرقد، وإن لم يغب عنه الحواس، فإما أن يحدث معه نشوة وسرور أو قوة عند التناول غالبًا أم لا، فإن حدث فهو المسكر،
1 / 104
وإلا فهو المفسد، فالمسكر هو المغيب للعقل مع نشوة وسرور كالخمر، والمفسد: هو المشوش للعقل مع عدم السرور الغالب كالبنج.
ويدل على ضابط المسكر قول الشاعر:
1 / 105
ونشربها فتتركنا ملوكا ... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
فالمسكر يزيد في الشجاعة والمروءة، وقوة النفس، والميل إلى البطش في الأعداء والمنافسة في العطاء، ومنه قول القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى:
زعم المدامة شاربوها أنها تنفي الهموم وتصرف الغما
صدقوا سرت بعقولهم فتو هموا أن السرور لهم بها تما
سلبتهم أديانهم وعقولهم أرأيت عادم دينه، مغتما
قال: فظهر بهذا أن الحشيشة مفسدة، وليست مسكرة لوجهين:
1 / 106
أولهما: أنها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان، فصاحب الصفراء تحدث له حدة، وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا، وصاحب السوداء تحدث له بكاء وجزعًا، وصاحب الدم تحدث له سرورًا يقدر حاله، فتجد منهم من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته.
وأما الخمر والمسكرات: فلا تكاد تجد أحدا ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور بعيد عن صدور البكاء والصمت.
1 / 107