Заим Таир Ахмад Кураби
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Жанры
وكان للعوامل الخارجية أثر كبير في إخفاق الثورة العرابية، وأهمها المطامع الاستعمارية الأوروبية، وبخاصة الإنجليزية، ففرنسا وإنجلترا كانتا تطمعان في توسيع نفوذهما في مصر، ومن هنا جاء سخطهما على الثورة، وكراهيتهما قيام حكومة دستورية في البلاد، ولقد رأيت كيف ائتمرتا بالحركة الوطنية ووضعتا العقبات والعراقيل في سبيلها، وكيف بدأت نياتهما السيئة نحوها بمذكرة 7 يناير سنة 1882، تلك المذكرة التي تنطوي على إثارة العداوة والبغضاء بين الخديو والأمة، وكيف أعقبتا تقديمها بالمعارضة في تخويل مجلس النواب حق تقرير الميزانية، مما أدى إلى سقوط وزارة شريف باشا ... ثم انتهازهما فرصة الانقسام الذي وقع بين الخديو والعرابيين، وإرسالهما أساطيلهما إلى مياه الإسكندرية، ثم تدخلهما بالفعل وتقديمهما بلاغهما النهائي بإقالة وزارة البارودي، وإبعاد زعماء الثورة، ورفض العرابيين هذه المطالب، وقبول الخديو إياها ... مما أدى إلى استقالة وزارة البارودي، وانفجار بركان السخط على الخديو.
فالسياسة الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية، كانت من أكبر العوامل في إثارة الانقسام بين الأمة والخديو ... وأعقب هذا الانقسام انسحاب فرنسا من الميدان، وانفراد إنجلترا بالتدخل لتحقيق مطامعها الاستعمارية في مصر، وقد رأيت كيف نفذت برنامجها الاستعماري بضرب الإسكندرية وإنزال جنودها إلى البر ... فكان ذلك بدء الحملة التي قضت على الثورة وعلى الاستقلال.
أضف إلى ذلك جمود أوروبا حيال الاعتداء البريطاني، وسوء نية تركيا نحو مصر منذ قيام الثورة، وسعيها الأخرق في استرداد الاستقلال الذي نالته مصر، وما ظهر منها من التذبذب والنفاق، والتظاهر تارة بمناصرة العرابيين وطورا بتأييد الخديو، وانضمامها أخيرا إلى جانب الإنجليز بإعلانها عصيان عرابي والحرب قائمة ... فكان هذا الإعلان ضربة شديدة للثورة، وعضدا كبيرا للحملة البريطانية. •••
كل هذه العوامل التي اجتمعت على مصر، كان لها الأثر البالغ في إخفاق الثورة ... وكان لضعف السياسة الفرنسية وترددها حيال المسألة المصرية، وترك الإنجليز يتدخلون وحدهم في شئون البلاد؛ أثر كبير في تطور الحوادث، إذ انتهزت إنجلترا هذه الفرصة وانفردت باحتلال مصر، وإخماد الثورة وتثبيت قدمها في البلاد.
وليس من السهل على أمة تثور للحرية أن تتغلب على كل هذه العوامل مجتمعة، ما لم تؤت قوة الجبابرة أو عقول العباقرة ... وإنك لترى أن أكثر الأمم التي ثارت من أجل حريتها واستقلالها كان لها، على العكس، من العوامل الخارجية ما ساعدها على تحقيق آمالها. فالثورة الأمريكية لم تدرك ما نالته من النجاح، ولم تحقق استقلال الولايات المتحدة إلا بعد أن عاونتها فرنسا بجيشها وأسطولها، وإيطاليا لم تحقق وحدتها وتتحرر من النير النمسوي إلا بمعاونة فرنسا العسكرية، واليونان لم تتحرر من النير التركي إلا بمعاونة روسيا وفرنسا وإنجلترا، وكذلك الأمم البلقانية عامة لم تنفصل عن تركيا وتحقق استقلالها إلا بمساعدة أوروبا.
أما مصر فإنها لم تحرم المعاونة من الخارج فحسب ... بل تألبت عليها العوامل الخارجية، وعاونت إنجلترا على تحقيق أطماعها الاستعمارية.
ويقيننا أن العوامل الخارجية كانت أقوى من العوامل الداخلية في إخفاق الثورة العرابية.
Неизвестная страница