Заим Таир Ахмад Кураби
الزعيم الثائر أحمد عرابي
Жанры
وبعد أن عاد إلى بلده، دون أن يتم دراسته في الأزهر، التحق بالعسكرية في 6 ديسمبر سنة 1854 جنديا بسيطا «نفرا» تنفيذا لما قرره سعيد باشا من تجنيد أولاد العمد والمشايخ، ولإجادته القراءة والكتابة والحساب عين كاتبا بدرجة «بلوك أمين» بالأورطة الرابعة من آلاي المشاة الأول.
وفي سنة 1858 رقي إلى مرتبة الضباط، وذلك حين اعتزم سعيد باشا ترقية المصريين في الجيش، فنال في تلك السنة رتبة ملازم من تحت السلاح، وهو بعد في السابعة عشرة، ثم رتبة يوزباشي سنة 1859، ثم رتبة صاغ سنة 1859، ثم رتبة بكباشي سنة 1860، ثم صار قائم مقام في سبتمبر سنة 1860. وقد حظي برضا سعيد باشا ورافقه في زيارته للمدينة المنورة ياورا له سنة 1860، وكان لهذه الزيارة أثر كبير في نفسه إذ آنس من سعيد عطفا كبيرا على طبقة الفلاحين، ثم بدا لسعيد أن ينقص عدد الجيش، فألغى بعض الفرق وفصل ضباطها من الخدمة، ومنهم أحمد عرابي، ثم أمر بإعادتهم قبيل وفاته، وعاد عرابي إلى سابق رتبته.
من هذا البيان يتضح أن ليس في نشأة عرابي شيء يستوقف النظر، بل هي نشأة عادية لرجل عادي، لم يتميز في ماضيه بالبطولة ولم يخض غمار المعارك والحروب، كان ضابطا من تحت السلاح، ونال مرتبة الضباط؛ لأن سعيد باشا وضع قاعدة إمكان ترقية الضباط من بين أفراد الجند رغبة منه في إكثار عددهم. ولا غبار على هذه النشأة في شيء، وليس ثمة ما يمنع صاحبها من أن يقوم بدور هام في حياة البلاد السياسية والقومية. (1-2) متى وكيف بدأت دعوته الوطنية؟
يبدو من التأمل في حياة عرابي أن دعوته الوطنية قد بدأت تخالجه في عهد سعيد باشا، فقد سمعه يلقي خطبة في «قصر النيل» مقر وزارة الحربية وقتئذ، قال فيها مخاطبا الحاضرين من العلماء والرؤساء الروحانيين، وأفراد الأسرة الحاكمة وكبار رجال الحكومة الملكيين والعسكريين:
أيها الإخوان ... إني نظرت في أحوال هذا الشعب المصري من حيث التاريخ، فوجدته مظلوما مستعبدا لغيره من أمم الأرض، فقد توالت عليه دول ظالمة له كثيرا ...
وحيث إني أعتبر نفسي مصريا، فوجب علي أن أربي أبناء هذا الشعب، وأهذبه تهذيبا حتى أجعله صالحا لأن يخدم بلاده خدمة صحيحة نافعة، ويستغني بنفسه عن الأجانب، وقد وطدت نفسي على إبراز هذا الرأي من الفكر إلى العمل.
يقول عرابي تعليقا على هذه الخطبة: إنه لما انتهى سعيد باشا من إلقائها خرج المدعوون من الأمراء والعظماء غاضبين حنقين مدهوشين مما سمعوا، وأما المصريون فخرجوا ووجوههم تتهلل فرحا واستبشارا، ويقول إنه اعتبر هذه الخطبة أول حجر في أساس مبدأ «مصر للمصريين».
ولا شك أن خطبة سعيد باشا لم تصادف في نفس عرابي موضع الإقناع والغبطة إلا لأن روحه كانت وطنية، فهي تقبل ما يوافق ميولها واتجاهاتها.
على أن دعوته الوطنية لم تنضج إلا في عهد الخديو إسماعيل، ذلك أنه حين خلف سعيد باشا في ولاية الحكم، فقد عرابي عطف ولي الأمر الجديد، إذ لم يكن إسماعيل يأخذ بسنة سلفه في العطف على الضباط الوطنيين، فعادت الحظوة في الجيش إلى الضباط الشراكسة، فكان ذلك من أسباب تذمر عرابي، واتجاه أفكاره إلى المطالبة بحقوق الضباط الوطنيين.
ووقع له حادث في أوائل عهد إسماعيل كان له أثر كبير في اتجاه أفكاره وتكوين دعوته الوطنية، فقد وقعت خصومة بينه وبين اللواء خسرو باشا الشركسي أدت إلى تقديمه إلى مجلس عسكري، والحكم عليه بالسجن واحدا وعشرين يوما، فاستأنف عرابي هذا الحكم أمام المجلس العسكري الأعلى، فقضى بإلغاء الحكم الابتدائي. وحدث خلاف بسبب هذا الحكم بين وزير الحربية وقتئذ إسماعيل سليم باشا ورئيس المجلس الأعلى؛ لأن الوزير كان يرغب في تأييد الحكم الابتدائي، فسعى لدى الخديو إسماعيل في فصل عرابي من الجيش، فتم له ما أراد، فأورثته هذه الحادثة بغضا شديدا للشراكسة.
Неизвестная страница