قبل عصر بوذا والفلسفة الجينية، وخلاصتها أن العلم كله علم الحواس، وأن الأثير الذي يسمونه أكاسا
Akasa
غير موجود؛ لأنه غير محسوس، وأن المتعة بالحياة الدنيا غاية الأحياء، وعصفور اليوم خير من طاووس الغد الموعود، وإذا انحل الجسم لم يبق عقل ولا عاقل، ويستوي في ذلك الحكماء والجهلاء.
وتقدمت الفلسفة المادية في بلاد اليونان على الفلسفة الروحانية أو المثالية في تاريخها وترتيبها، وظهر بين العرب الجاهليين من يقول كما جاء في القرآن الكريم
إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين ، ومن يقول:
ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر .
وليس في وسع باحث في العصر الحاضر أن يزعم أن الفلاسفة الماديين أكثر أو أكبر من الفلاسفة المثاليين، وهذه الفلسفة المادية الجدلية نفسها لا يوجد في العالم فيلسوف معدود من دعاتها المؤمنين بها، ولا استثناء لروسيا الشيوعية إلا في أسلوب المخاتلة والمداراة.
أما أن نبؤات كارل ماركس لم تصدق لأن الرأسماليين قاوموها، فذلك غير صحيح، وإنما الصحيح أنها لم تصدق لأنها تناقض الواقع مناقضة القطبين المتقابلين، وخلافا لما قال قد رأينا أن البلاد التي سلمت منها هي البلاد المتقدمة في الصناعة الكبرى والتعليم، وأن نسبة انتشار الشيوعية عكسية على حسب التأخر والجهل والإهمال، فأسلم الأمم الأوربية من الشيوعية هي أكثرها صناعة وثقافة ومعرفة بالحقوق، وعلى نقيض ذلك سائر الأمم التي تعرضت من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ولم تغلب الشيوعية حتى اليوم على أمة بعيدة من جوار روسيا وسلطانها المتحكم فيما حولها، ولم تغلبها الشيوعية إقناعا بل غلبتها بحكم ذلك الجوار وذلك السلطان.
ولن نذهب بعيدا في الاستطراد إذا قلنا قياسا على ذلك إن زيادة في العلم بالشيوعية زيادة في العلم بأخطائها وخرافاتها، وإننا لا نعرف وسيلة لبيان حقيقتها خيرا من الأمانة في تعليمها، فإن وجد بعد ذلك من يتمادى في لجاجاتها، فليس هو بصاحب فكرة أو صاحب مذهب، ولكنه صاحب غرض يساق إليه أو يؤجر عليه، ومثل هذا لا يضيرنا تعليم المذاهب على اختلافها بالنسبة له؛ لأنه على الجهل أو على العلم مسوق إلى حيث يساق.
ورد غطائها
Неизвестная страница