وألفت أن أترك الأحاديث والحكايات تحملني على أجنحتها، فأتخيل نفسي في أماكن غريبة؛ على شواطئ
البحر الأحمر
أو في غابة وحوش أو في صحراء لا نهاية لها، وصاعدا جبالا من الثلج، أو نائما في خيمة على حافة بركان، أو متفرجا من أعلى ناطحة سحاب. وكنت أصوغ لنفسي في كل ليلة حياة مختلفة: فلاحا يجمع القطن، أو بحارا في مركب يتنقل بين الموانئ، أو حمالا في ميناء، أو متسلقا للجبال أو صيادا يبدأ يومه بالليل، أو عاملا في عنبر من آلاف العمال والآلات، أو عالما في معمل كبير مليء بالأنابيب والتحاليل والاكتشافات، أو صحفيا يلف العالم ويعيش بقلمه وأعصابه أخطر الأزمات والأحداث. حيوات متعددة مثيرة استهوتني كلها وأردت أن أعيشها جميعا. •••
كان الطعام الذي يقدم إلينا بالغ السوء
20
فسعينا إلى الاشتراك في العمل بالمطبخ العام، وأحدثنا تحسنا في نوعية الطعام أدى إلى نقص كميته. وهنا ظهرت فكرة إنشاء مزرعة تزودنا بما نحتاج إليه من خضروات من ناحية، وتمتص طاقتنا أيضا كما تقدم مثالا على ما نستطيع إنجازه في أصعب الظروف. واحتاجت هذه المزرعة إلى سماد عضوي أمكن توفيره من خلال «الترنش» وهو مجمع للصرف الصحي خارج الأسوار على شكل مستنقعات، فتكونت فرق مهمتها النزول إلى هذه المستنقعات وخلطها بالرمال. كما تطلبت خزانا للمياه، فجرى حفر حوض كبير وتبليطه بالحجارة، ليستقبل مياه الآبار. وفي هذا الخزان تعلمت السباحة.
نجح مشروع المزرعة وظهر إنتاجها من الخضروات الذي كان يوزع على الزنازين بالدور فيسهر نزلاؤها في إعداد وجبة جيدة على نيران «التوتو» وهو مصباح بدائي يعمل بالزيت. وعندما ارتفعت قامة الفول الأخضر أغرى منظر الحبوب السمينة الطرية البعض بمحاولة تخطي الدور. وتعددت حالات الاعتداء على الحق الجمعي فتكونت فرقة لحراسة الحقل رأسها
محمد عمارة (الدكتور والمفكر الإسلامي الآن). وكان ذا وجه متجهم بالغ الصرامة، مما دفعنا - أنا واثنين من الأشقياء هما
كمال القلش
و
Неизвестная страница