والفكرة، كعمل وإجراء، لا كمجرد تأمل، هي التي تميز فنان العصر الحاضر. وهو كأي فنان، لا يرضى أن يكون مرآة للظواهر الكونية حوله، بل يهدف إلى أن يخلق عالما جديدا ، أو أن يطور عالمه القديم. والماركسية تقول بأن الإنسان هو الذي يهندس قضاءه وقدره.
نحن في حقبة الفيلسوف الفنان؛ لأن فن الفكرة هو وحده الجدير بالعيش في عصرنا. وما يطلبه الآن الفن من رجل الفن هو أن يحول التصور الفلسفي إلى صور وجدانية.
ما هو الجمال في عرفي؟ إنه التوتر. هو القالب الدرامي الذي يعبر به الفنان عن فكرة عظيمة بعقله وإحساسه؛ فالموات لا توتر فيه ولا إمكانيات للتطور؛ لأن التوتر ديدن كل شيء حي. والحياة وهي تتقدم، تغالب عقبات الحياة ذاتها فالحركة والسكون جميلان، أما الغشية فهي قذى العين، والقبح بعينه.
والأكاديمية (أي الاتباع) في الفن، هي غشية الحواس، نظرتها إلى موضوعها نظرة زجاجية، لا حياة فيها.
والنحت تحقيق لأبعاد الفضاء الثلاثة؛ لهذا أحرص على أن يجيء كل واحد من أعمالي لا مجرد قطعة أو «موضوع» بل أن ينتصر على الفضاء، أو يشكل تنظيما خاصا له؛ فالكتل والاستدارات المحدودية، والفراغات في عمل النحات تشكل إيقاعا خاصا قد يكون هادئا أو قلقا وقورا وحزينا. وأنا أسعى لتوليد هذا الإيقاع مع العناية بالإنشاء والتكوين؛ ففي كل هذا ينفخ الفنان في عمله روح التوتر. ... وعملي كنحات هو البحث عن الكناية والرمز فيما يوائم عصرنا. فكر لحظة بالعصور الخالية: ما هو
القنطورس ؟ إنه الإنسان/الحصان. وما هو
الفنكس ؟ إنسان مجنح، له بأس الأسد. لكن لا الجياد ولا السباع في حياتنا الحاضرة تقدم رمزا على القوة؛ فكل الناس اليوم بفضل العلم فيهم قوة الأسود، ويطيرون بأسرع وأعلى من النسور، فكيف نحقق الصلة بين الإنسان والتكنولوجيا؟ كيف نستطيع بلوغها في كمال وجمال
القنطورس
و
أبي الهول ؟ ... وأخيرا تعبر خاطري فكرة الغموض في الفن. من حق الفنان أن يكون غامضا. إنما الجريمة الفنية أن يتخذ الغموض شعارا؛ فالفنان في حاجة لأن يفهمه أكبر عدد من الناس. ومن مآسي رجل الفن أن يستغلق أمره على الجمهور.
Неизвестная страница