وسار إلى المنصور فالتقاه في الطرق يقطين بن موسى وقد بعثه المنصور إليه لإحصاء جميع ما وجدوا في عسكر عبد الله بن عليٍّ، فغضب أبو مسلمٍ وقال: أنكون أمناء في الدماء وخونةً في الأموال؟. ثم أقبل وهو مجمع على خلاف المنصور. فاستوحش المنصور منه، وقتله في سنة ١٣٩.
ولما عاد أبو مسلمٍ من الشام ولّى المنصور حلب وقنسرين وحمص صالح بن عليٍّ بن عبد الله بن العباس سنة ١٣٧. فنزل حلب، وابتنى بها خارج المدينة قصر بقريةٍ يقال لها بطياس بالقرب من النّيرب، وآثاره باقيةٌ إلى الآن، ومعظم أولاده ولدوا ببطياس، وقد ذكرها البحتريّ وغيره في أشعارهم.
وأغزى الصائفة مع ابنه الفضل في سنة ١٣٩ بأهل الشام، وهي أول صائفة غزيت في خلافة بني العباس، وكانت انقطعت الصوائف في أيام بني أمية قبل ذلك بسنين.
وظهر في سنة ١٤١ قومٌ يقال لهم الراوندية، خرجوا بحلب وحرّان، وكانوا يقولون قولًا عظيمًا، وزعموا أنهم بمنزلة الملائكة. وصعدوا تلًا بحلب فيما قالوا، ولبسوا ثيابًا من حرير، وطاروا منه فنكبوا وهلكوا.
ودام صالحٌ في ولاية حلب إلى أن مات سنة ١٥٢.
ورأيت فلوسًا عتيقةً، فتتبّعت ما عليها مكتوبٌ، فإذا أحد الجانبين مكتوبٌ عليه: ضرب هذا الفلس بمدينة حلب سنة ١٤٦. وعلى الجانب الآخر: ممّا أمر به الأمير صالح بن عليٍّ أكرمه الله.
ولما مات صالح بن عليٍّ تولّى حلب وقنسرين بعده ولده الفضل بن صالحٍ، واختار له العقبة بحلب، فسكنها، وأقام بحلب واليًا مدّةً.
ثم ولّى المنصور بعده موسى بن سليمان الخراسانيّ. ومات المنصور سنة ١٥٨ وموسى على قنسرين وحلب. ورأيت فلوسًا عتيقةً فقرأت عليها: ضرب هذا الفلس بقنسرين سنة ١٥٧. وعلى الجانب الآخر: مما أمر به الأمير موسى مولى أمي المؤمنين.
ولما ولي المهديّ خرج عبد السلام بن هشام الخارجي من الجزيرة وكثر أبتاعه، فلقيه من قواد المهديّ فهزمهم إلى قنسرين فلحقوه فقتلوه بها سنة ١٦٢ وكان مقدم جيشه شبيبًا.
وعزم المهديّ على الغزو، فخرج حتى وافى حلب في سنة ١٦٣. والتقاه العباس ابن محمدٍ إلى الجزيرة، وأقام له النزل في عمله، واجتاز معه على حصن مسلمٍ بالناعورة. فقال له العباس: يا أمير المؤمنين إنّ لمسلمة في أعناقنا منّةً. كان محمد بن عليٍّ مرّ به فأعطاه أربعة آلاف دينار، وقال له: يا بنّ عمّ، هذه ألفان لدينك، وألفان لمعونتك، فإذا نفدت فلا تحتشمنا. فقال المهديّ: أحضروا من ههنا من ولد مسلمة ومواليه. فأمر لهم بعشرين ألف دينارٍ، وأمر أن تجرى عليهم من الأرزاق. ثم قال: يا أبا الفضل كافأنا مسلمة، وقضينا حقّه؟. قال العباس: نعم، وزدتّ.
ونزل المهديّ بقصر بطياس ظاهر حلب، وولّى المهديّ حين قدم قنسرين وحلب والجزيرة عليّ بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس حربًا وخراجًا وصلاةً.
ثم إن المهديّ عرض العسكر بحلب، وأغزى ابنه بلاد الروم، وسيّر محتسب حلب عبد الجبار فأحضر له جماعةً من الزنادقة فقتلهم، وولّى حلب والشام جميعه ابنه هارون، وأمر كاتبه يحيى بن خالدٍ أن يتولّى ذلك كلّه بتدبيره. وكانت توليته في سنة ١٦٣.
ولما بويع الهادي أقرّ أخاه ويحيى على حالهما.
فلما أفضى الأمر إلى الرشيد ولّى حلب وقنّسرين عبد الملك بن صالح بن عليّ ابن عبد الله فأقام بمنبج وابتنى بها قصرًا لنفسه وبستانًا إلى جانبه، ويعرف البستان يومنا هذا ببستان القصر. وكانت ولايته سنة ١٧٥ ثم صرف لأمرٍ عتب عليه فيه.
ثم ولاّها الرشيد موسى بن عيسى سنة ١٧٦.
ومرّ الرشيد على عبد الملك بمنبج، فأدخله منزله بها، فقال له الرشيد: هذا منزلك؟. قال:: هو لك، ولي بك. فقال: فكيف هو. قال: دون منازل أهلي، وفوق منازل الناس. قال: كيف طيب منبج؟. قال: عذبة الماء، وعذبة الهواء، قليلة الأدواء. قال: فكيف ليلها؟. قال: سحرٌ كلّه.
وهاجت الفتنة بالشام بين النّزارية واليمانية، فولى الرشيد موسى بن يحيى ابن خالد في هذه السنة الشام، فأقام به حتى أصلح بينهم.
ثم ولاّها الرشيد جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك سنة ١٧٨، وتوجّه إليها سنة ١٨٠، واستخلف عليها عيسى بن العكّيّ.
ثم إنّ الرشيد ولّى حلب وقنسرين إسماعيل بن صالح بن عليٍّ لما عزله عن مصر سنة ١٨٢، وأقطعه ما كان بحلب في سوقها؛ وهي الحوانيت التي بين باب أنطاكية إلى رأس الدّلبة، وعزله وولاّه دمشق.
1 / 8