Да здравствует арабский язык, падет Сибавэй
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Жанры
مقدمة الطبعة الثالثة
مقدمة
1 - برج بابل
2 - هل هناك لغة عالمية؟
3 - رسالة إلى حراس الضاد
4 - هل العربية لغة مقدسة؟
5 - المسيحيون والعربية
6 - المتنبي يخاف من الإعراب
7 - شيزوفرينيا لغوية
8 - غاية اللغة
Неизвестная страница
9 - ضد تحنيط العربية
10 - الاستثناء العربي
قالوا عن الكتاب
مقدمة الطبعة الثالثة
مقدمة
1 - برج بابل
2 - هل هناك لغة عالمية؟
3 - رسالة إلى حراس الضاد
4 - هل العربية لغة مقدسة؟
5 - المسيحيون والعربية
Неизвестная страница
6 - المتنبي يخاف من الإعراب
7 - شيزوفرينيا لغوية
8 - غاية اللغة
9 - ضد تحنيط العربية
10 - الاستثناء العربي
قالوا عن الكتاب
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
تأليف
شريف الشوباشي
Неизвестная страница
إن اللغة العربية ليست ملكا لرجال الدين، ولكنها ملك للذين يتكلمونها جميعا من الأمم والأجيال.
د. طه حسين
مستقبل الثقافة في مصر
مقدمة الطبعة الثالثة
عندما سلمت النص النهائي لهذا الكتاب إلى المطابع في أبريل 2004 لم أكن أتخيل أنني أحمل بين يدي قنبلة موقوتة ستنفجر لتمزق الصمت المهيمن على الحياة الثقافية والفكرية في مصر منذ أكثر من ثلاثين عاما.
كنت أتوقع أن بعض الأقلام ستهب للدفاع عن اللغة العربية من منطلق الرفض المسبق لأي مساس بلغة الضاد، بل لأي جديد في أي مجال. وكنت أمني نفسي بأن أصحاب الفكر المتطور ودعاة الاستنارة سيشهرون أقلامهم ردا لحجج الجمود والتحجر.
لكن ما حدث خلال الأشهر الثلاثة الماضية جعلني أعيد النظر في بعض قناعاتي عن توازنات الحياة الثقافية في مصر.
والضجة التي أثارها الكتاب تدل على واقع لا يمكن مجادلته، وهو اعتراف الجميع، من مؤيدين ومعارضين، بأن هناك مشكلة حقيقة تواجه اللغة العربية الآن. ولولا أنني وضعت يدي على العصب المكشوف لما انتبه أحد لكتابي ولما ثارت ثائرة الكثيرين عليه.
لكن ما أذهلني أن الغالبية العظمى ممن تصدوا للتعليق على الكتاب لم يقرءوه وقد اتضح من خلال تعليقاتهم أنهم اكتفوا بالمثل القائل: «الكتاب يقرأ من عنوانه»!
وإذا كان لي أن أبدي بعضا من الملاحظات حول أهم الانتقادات التي وجهت للكتاب، في طبعتيه السابقتين، فإنها تتلخص في الآتي:
Неизвестная страница
أولا:
كان الاتهام الأول هو أنني أدعو إلى هجر الفصحى واللجوء إلى اللهجات العامية، ومن يقرأ الكتاب يتضح له أنني أنادي بعكس ذلك تماما، بل إن استشراء اللهجات كان من أهم دوافعي للتفكير في الكتابة حفاظا على الفصحى.
ثانيا:
الاتهام الثاني هو أنني أسعى إلى هدم اللغة العربية وتشويهها، مع أن كل سطور الكتاب، وما وراءها، هي دفاع موضوعي عن الفصحى.
ثالثا:
الاتهام الثالث هو أنني أطالب في الكتاب بإلغاء النحو، وهذا اتهام مضحك للغاية، فلا يمكن أن يكون هناك لغة في العالم بغير نحو وقواعد، فلغات «الهوسا» في نيجيريا، و«البمبرا» في مالي، لديها قواعد نحو تحكمها. وما أطالب به هو تطوير وتيسير النحو العربي.
رابعا:
الاتهام الرابع هو أنني لست متخصصا في اللغة حتى أتناول هذا الموضوع، وردي أن اللغة هي أداتي وأداة كل عربي للتعبير عن نفسه من ناحية، وللاتصال بالآخرين من جهة أخرى، وبالتالي فمن حقي، كاتبا ومثقفا، برأيي في وضع اللغة الحالي الذي يعترف الجميع بأنه مأسوي.
خامسا:
أن غالبية من شاركوا في الحملة على الكتاب ركزوا على اقتراحاتي التطبيقية مثل إلغاء المثنى ونون النسوة وغير ذلك، وقد قلت بوضوح إن هذه مجرد اجتهادات لا أتمسك بها ولا أدعي أنني أملك سلطة إقرارها، لكنني أقول بوضوح مرة أخرى: إن المجامع اللغوية في العالم العربي هي الوحيدة المنوط بها إقرار كيفية تطوير النحو والصرف بالتنسيق فيما بينها.
Неизвестная страница
على أن ما راعني هو المزايدات التي جاءت ممن يقفون خلف ساتر «قدسية اللغة»، فهؤلاء يرون أن أي مساس باللغة هو مساس بالقرآن الكريم، مع أن هذه قضية حسمت منذ قرون، وقد جئت بأدلة دامغة في كتابي تفند هذه الحجة. واللغة ليست شرطا من شروط الإيمان، فإذا أراد أجنبي أن يعتنق الإسلام فهل تشترط عليه مسبقا تعلم اللغة العربية؟
وعلى الرغم من عنف الانتقادات، إلا أنني لم أغضب من أصحاب الأقلام الجادة الذين اختلفوا معي، فأنا لا أدعي - مثل البعض - أنني أمتلك الحقيقة المطلقة. وقد جاء بعض الذين انتقدوا الكتاب بحجج وجيهة وأمثلة في الصميم استفدت منها كثيرا، لكن البعض الآخر انزلق إلى أسفل الدرك في توجيه الاتهامات العشوائية، وهؤلاء لا يستحقون مجرد الرد ولا الالتفات.
وفي النهاية، فإن ما أصابني بخيبة أمل هو نكوص الكثير من أصحاب الأقلام التنويرية الذين من المفترض أن يحاربوا معركتهم في مواجهة الاتجاه المحافظ وتيارات الانغلاق، فقد هنأني بعضهم في الحجرات المغلقة، ثم لاذوا بالصمت الرهيب خارجها؛ إيثارا للسلامة.
مقدمة
أصبت بصدمة في أحد أيام مارس 2001 عندما فتحت العدد السنوي من «الألمناك» والذي كان صادرا قبلها بأيام قليلة، و«الألمناك» هو مطبوعة سنوية تحمل المعلومات الأساسية في كافة المجالات وآخر الإحصائيات العالمية. ومن عادتي أن أتابع في «الألمناك» آخر أرقام تعداد السكان في دول العالم وفي أكبر المدن، ومعدلات النمو، وكذلك عدد أبناء كل ديانة والناطقين بأهم لغات العالم، ومعلومات أخرى كثيرة ذات فائدة كبيرة.
أما عن الصدمة، فكانت عندما جلت بنظري في جدول أهم اللغات المتداولة في العالم، فلم أجد العربية في مكانها المعتاد بهذه المطبوعة، وأعدت قراءة جدول أهم اللغات عدة مرات وأنا في حيرة شديدة: هل هناك مشكلة أصابت نظري؟ أم أن اللغة العربية سقطت منهم سهوا، أم ماذا؟
وعندما فتشت في الجدول الموسع للغات المنتشرة في العالم، والذي يضم نحو 230 لغة، أدركت الحقيقة التي أثارتني بقدر ما أزعجتني، فمطبوعة «الألمناك» لم تعد تعتبر العربية لغة قائمة بذاتها، على أساس أن اللغة هي أداة التفاهم اليومي بين الناس وليست أداة الدرس والعلم، وهم يعتبرون أن العربية صارت لغة لقراءة الكتب والمراجع.
أما لغة التفاهم في العالم العربي فهي اللهجات مثل المصرية والشامية والمغربية. وباختصار فهم قرروا أن يعتبروا العربية من اللغات الميتة التي يعرفها البعض، زاد أو قل عددهم، لكنهم لا يستخدمونها في تعاملهم اليومي.
ومن الممكن أن يكون أول رد فعل لنا أن ننتفض صائحين: «هيهات، وموتوا بغيظكم أيها الحاقدون، ووالله هذا لن يكون أبدا.» وأنا أقول: إن شاء الله هذا لن يكون، لكن هذا لا يكفي. فهذه المطبوعة تعتبر من المطبوعات الجادة التي يعتد بها في العالم، وإن كانت لا تخلو من الأغراض الخبيثة، وخاصة حيال الإسلام والعرب.
ومع ذلك، فإن كبار الكتاب والمتخصصين في العالم، وخاصة في الغرب، يعدونها من أهم مراجعهم، وبالتالي فمن الخطأ أن نأخذ موقف هذه المطبوعة من العربية بالاستخفاف والتعالي، بل ومن مصلحتنا أن نعتبره جرس إنذار علينا أن نستمع إلى ما يحمله رنينه إلينا بكل جدية وحرص حتى وإن كرهنا محتواه.
Неизвестная страница
وإذا أضفنا إلى ذلك أن هناك جامعات ومعاهد لغات في أوروبا وغيرها تقوم بتدريس اللهجات عوضا عن العربية، بل إنهم يخيرون الطلبة الراغبين في دراسة العربية بين الفصحى وإحدى اللهجات العامية، وهنا يتضح لنا مدى خطورة الموقف. بل إن مراكز تعليم اللغة في البلدان العربية تفعل نفس الشيء مع الأجانب المبتدئين في تعلم لغتنا.
والأكثر من ذلك أن هناك محاولات جادة لتقعيد اللهجات حتى تصير بمثابة لغات كاملة الأركان لها قواعد النحو والصرف الخاصة بها.
وكما نثبت في هذا الكتاب، فإن اللهجات كانت موجودة دائما. واللغة الفصحى التي نرمز إليها أحيانا بلغة سيبويه لم تكن في يوم من الأيام لغة تفاهم وتعامل يومي، اللهم إلا في فترة وجيزة جدا في رقعة جغرافية محدودة بالجزيرة العربية. فما الذي استجد حتى ننزعج اليوم من اقتحام اللهجات لحيز التعامل اللغوي بين العرب؟
الجديد هو أننا نعيش في عصر يعرف باسم عصر العولمة. وأيا كان موقفنا من تلك العولمة، فإن لها بالتأكيد آثارا سلبية على الثقافات الإقليمية، وعلى كل مقومات الحضارات، ومن بينها اللغات.
والعولمة بمعناها السياسي والاقتصادي ذوبان الحدود بين الدول والتجمعات الإقليمية. لكن معناها الثقافي عميق، وقد يكون أكثر تأثيرا على الشعوب. فالعولمة قد تؤدي إلى هيمنة ثقافة واحدة على العالم، مما يترتب عليه انكماش مقومات الثقافات الأخرى التي تبلورت من خلال حقب التاريخ المتعاقبة. وبالتأكيد إن اللغة من أبرز مقومات الشخصية الإنسانية، ولا بد بالتالي أن تتأثر بالعولمة.
الجديد أيضا هو أن وسائل الإعلام الحديثة جعلت أدوات التفاهم الشفهية تنافس المكتوبة، بل وتتفوق عليها أحيانا وتسحب من تحتها البساط. ففي الماضي كانت الوسيلة الوحيدة للاتصال وحفظ المعلومات هي الكتابة. أما منذ نهاية القرن العشرين، فقد ظهرت الوسائل السمعية والبصرية التي جعلت للكلمة المنطوقة أهمية كبرى لم تكن لها بهذا القدر منذ عرف الإنسان الكتابة، وانطوى عندئذ عصر الثقافات الشفهية؛ فالتسجيلات الصوتية والصورة صارت هي الأخرى وسائل حيوية لنقل المعلومات وتخزينها، كمراجع للمعرفة.
وأخيرا وليس آخرا، فمن المؤكد أن هناك من لا يريد للعالم العربي أن يكون واحدا، ويأمل في قرارة نفسه تمزيق أواصر هذا العالم. وحيث إن أهم ما يربط بين العرب هو لغتهم، فإن القضاء على هذه اللغة سيؤدي إلى نهاية عالمنا العربي، وربما كان هذا هو الهدف الخفي من وراء المشروعات الغربية المطروحة على الساحة في بداية القرن الحادي والعشرين.
وأمام هذه التحديات الخطيرة؛ فإن اللغة العربية تمر الآن بمفترق طرق حيوي؛ إما أن تجدد نفسها فتبقى دائما لغة العرب المشتركة، أو أن تتقوقع على نفسها، فتواجه بالفعل خطر الزوال لحساب اللهجات، كما حدث للغة اللاتينية في القرون الوسطى الأوروبية. وهذا الاحتمال، وإن كان بعيدا، إلا أنه ليس من دروب الخيال العلمي.
والمشكلة هي أن اقترابنا من قضية اللغة مغلوط من أساسه؛ فهو يقوم على فرضية نعدها من المسلمات، وهي أن مشكلة اللغة تكمن في الناطقين بها من العرب. وكل من يتصدى للحديث عن اللغة هذه الأيام يسخر من جميع من يخطئون فيها ويستهزئ بالآخرين، وكأنه معصوم من الخطأ في اللغة. فالمنطق السائد في هذا الموضوع يشابه ما طرحه الشاعر مرسي جميل عزيز في أغنية: «سيرة الحب» التي غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم عن مشكلات الحب ومن هو المتسبب فيها؛ حيث تقول: «العيب فيكم يا في حبايبكم، أما الحب، يا روحي عليه.» فالخطأ إذا ليس في الحب وإنما في كل من يمارسونه بأسلوب خاطئ.
ولو كان من الممكن أن تنطبق هذه المقولة على الحب؛ لأنه قيمة مجردة، فإنه لا يمكن أن تنسحب على اللغة، فاللغة كائن حي لا بد أن تتغير بتغير الوقت وأن تجاري الزمان، وبالتالي فأنا أقول: إن الخطأ لا يقع بالكامل على مستخدمي العربية؛ لكنه يقع أساسا على عاتق اللغة نفسها.
Неизвестная страница
وأقول لكل من يتعذب من جراء تعلم اللغة، أو يشعر بعقدة نقص لعدم إجادته العربية إجادة تامة: لا تقلقوا؛ فالعيب ليس فيكم، ولكنه في اللغة التي لم تشملها سنة التطوير. وأستطيع انطلاقا من هذا أن أبرئ ساحة ملايين العرب بل الأغلبية الساحقة من الشعب العربي من ذنب عدم تملك ناصية لغة الضاد بكل تعقيداتها.
ومن منطلق معرفتي بمستوى التعليم في فرنسا وغيرها من الدول الغربية، أستطيع أن أجزم بأن المستوى اللغوي لخريجي الجامعات المصرية من غير المتخصصين يوازي مستوى تلميذ في بداية المرحلة الإعدادية هناك في لغته الأم.
فهل يعكس هذا نبوغ تلاميذ العالم الغربي وتخلف طلاب العلم عندنا؟ بالتأكيد لا؛ فإن المستوى الذهني متقارب بين الاثنين، إنما المعضلة تكمن في اللغة العربية التي ترقى تعقيداتها إلى مرتبة اللوغاريتمات المنغلقة على عقول غير المتخصصين.
وفي فصول هذا الكتاب سنناقش بهدوء الأهمية الحيوية للغة في حياتنا، وهل هناك شيء اسمه لغة عالمية، كما سنناقش لماذا يتعذب ملايين التلاميذ والطلاب من أجل تعلم اللغة العربية بدلا من أن يركزوا طاقاتهم في تحصيل العلوم من خلال أداة لغوية سهلة طيعة، كما هو الحال بالنسبة لطلاب غالبية دول العالم الأخرى.
فعلينا، بعيدا عن النفاق، أن نعترف بأن طلبة المدارس يكرهون حصة اللغة العربية، وينعون همها أكثر من أي مادة تعليمية أخرى. فإلى متى نجعل أطفالنا وشبابنا يتجرعون عذاب القواعد المعقدة التي عفا عليها الزمن ولم تعد تواكب العصر؟
وتتعدى القضية تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات حيث يكاد لا يوجد شخص في العالم العربي لا يخطئ في اللغة، وحتى الذين يتباكون على اللغة ويتهكمون على أخطاء غيرهم غير قادرين على القراءة والكتابة دون خطأ، باستثناء بضع مئات معدودة من المتخصصين في العالم العربي كله.
وهذه اللغة العظيمة التي نزل بها إعجاز القرآن الكريم، والتي فتحت للعرب آفاقا رحبة للتطور الفكري والإبداع الفني أصبحت، مع مرور القرون، قيدا يكبل العقل العربي ويغل طاقتنا الخلاقة، فاللغة تحولت إلى إسار يخنق أفكارنا ويلجمها. وهي تسهم للأسف في حرماننا من الانطلاق إلى الآفاق الرحبة التي يفتحها العلم الحديث ووسائل المعيشة المواكبة للتطور العلمي. وباختصار فإن اللغة أصبحت سجنا يحبس العقل العربي بين جدرانه الحديدية بإرادته المستكينة.
فالعربية هي اللغة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تتغير قواعدها الأساسية منذ 1500 سنة كاملة. قد يرى البعض في ذلك رسوخا واستمرارية ودليلا على رصانة اللغة، لكني أرى فيه جمودا وتحجرا ينعكس سلبا على العقل العربي؛ فاللغة كما قلنا كائن حي، يولد وينمو ويتطور ويشب وينضج ثم يشيخ، وكثيرا ما يموت، ودورنا هو إعادة الشباب إلى لغتنا، وإجراء عمليات تجميل لإزالة التجاعيد التي تراكمت بعد قرون من الممارسة الناجحة، فالجمود في اللغة يؤدي حتما إلى جمود في العقل، والتحجر في اللغة يؤدي إلى تيبس الأذهان.
وفي الماضي كان النوابغ قادرين على معرفة اللغة والتراث والحديث والتعمق في الوقت ذاته في علوم مثل: الفلك، والكيمياء، والرياضيات. أما اليوم، ومع الاتساع اللامتناهي في المعارف، فإن الإنسان العربي يجد نفسه أمام خيار صعب: إما أن يكرس حياته لدراسة اللغة والتراث، أو أن يتخصص في فرع من فروع العلم والمعرفة الحديثة.
وفي الحالة الأولى، فإنه سيكون ضليعا ولا شك في العربية، لكنه سيكون شبه منقطع عن العالم ومحبوسا في دائرة مغلقة تجعله خارج حياة القرن الحادي والعشرين، وفي الحالة الثانية يكون مواكبا للتطور الحضاري الهائل في العالم أجمع، لكن معرفته بالعربية ستكون محدودة وسطحية إلى حد بعيد.
Неизвестная страница
وسنعقد في فصول هذا الكتاب مقارنة سريعة بين العربية واللغات الحية الأخرى؛ لنتبين صدق هذه الحقيقة، وسنشعر من هذه المقارنة بين العربية بقواعدها الجامدة مع اللغات الأخرى التي تستخدمها الشعوب المتقدمة، أننا كمن يمتطي جمالا بالطريق السريع، في الوقت الذي يركب فيه غيرنا سيارات تنقلهم بأقصى سرعة إلى ساحات التقدم. فتحصيل العلم من أجل تطبيقه لنفع الإنسان أصبح الشغل الشاغل للمجتمعات المتحضرة. لم يعد هناك فراغ يجعل الناس تستلذ صعوبة القواعد وتعقيد الكلمات كما هو الحال عندنا ، حيث ينتشي البعض وتنتفخ أوداجهم سرورا عندما يصححون خطأ لغويا، ويتلون قاعدة متقعرة، لا قيمة لها إلا أنها من وضع النحاة الأقدمين.
هذا في حين أن المجتمعات المتقدمة في صراع مع الزمن، وليست على استعداد لإضاعة وقتها الثمين في الكلمات الرنانة الفارغة من أي محتوى، وفي القواعد المعقدة والجناس والطباق والمقابلة والاستعارة المكنية وغير المكنية، وما شابه ذلك من محسنات بديعية. حتى الأدب العالمي أصبح يعتمد على المعنى والمضمون وليس على زخرف اللغة والتلاعب بالألفاظ.
وسوف نتعرض أيضا بمعيار العقل إلى قضية حساسة هي علاقة اللغة بالدين، وهل العربية لغة «توقيفية» أي هابطة من السماء، كما يريد البعض، أم لغة «اصطلاحية»، أي من صنع الإنسان، كما يريد المنطق؟ مع أن الكل يعلم أن العربية نشأت واستوت كمنظومة لغوية متكاملة في العصر الجاهلي، فهي إذن تنتمي، كلغة، إلى العصر الجاهلي، لكن الله سبحانه وتعالى تخيرها لتنزيل رسالته إلى البشر، فسما بها إلى أعلى مراتب الإعجاز. •••
وفي كتاب «الداء العربي» حاولت أن أضع أصابعي على بعض أسباب تخلف العالم العربي عن ركب الحضارة العالمي، ورصدت فيه ثلاثة محاور أساسية هي: «الفكر القبلي» و«ثقافة الأذن» و«حضارة اليقين»، وكنت أنوي أن أخصص فصلا عن اللغة بعنوان «رسالة إلى حراس الضاد» أشدد فيه على ضرورة الثورة على قواعد اللغة التي لم تعد تواكب زماننا، فأنا أعتبر أن اللغة هي أحد عناصر تخلف العالم العربي، وأن تحجر البعض في تناول قضية اللغة من أسباب عملية إجهاض النهضة الذي قمت بتحليله في كتاب «الداء العربي»، لكنني وجدت أن قضية اللغة أكبر من أن تعرض في فصل داخل كتاب؛ فهي في حاجة إلى مؤلف مستقل يحلل الظاهرة ويحيط بها من جوانبها المختلفة.
ويأتي هذا الكتاب تكملة لما سعيت إليه في «الداء العربي»، فقد آن الأوان أن ندرك أن اللغة أصبحت إحدى العقبات في سبيل انطلاق العقل العربي، وآن الأوان أن نقول هذا الكلام بشجاعة في وجه من يريدون الحجر على عقولنا وترويع كل من ينادي بالتحديث . •••
وبعيد عن ذهني تماما هجر اللغة العربية لحساب اللهجات العامية، أو استخدام الحروف اللاتينية، وما شابه ذلك من اقتراحات طرحها بعض الذين أدركوا نكوص الفصحى عن التعبير عن واقعنا الحالي، فالذين يدعون إلى وأد العربية لا يدركون تبعات مطلبهم، فاللغة العربية أنتجت بعضا من أهم الإبداعات الإنسانية، ومن يدرس تاريخ الآداب العالمية لا يسعه إلا أن يتوقف بإجلال أمام أشعار المتنبي، وأبي العلاء، وأبي نواس، ونثر أبي حيان التوحيدي، كما لا يملك إلا أن ينحني تحية لأدب نجيب محفوظ.
وترك اللغة العربية معناه ببساطة محو كل هذا التراث العظيم من الذاكرة الجماعية للشعب العربي. هذا عن التاريخ، أما عن الحاضر فإن معناه تفتيت الأمة العربية وشرذمتها إلى كيانات مستقلة وربما متنافرة. فإذا نظرنا إلى الوطن العربي اليوم نجد أن أقطاره تختلف في السياسة وتتنافر في الاقتصاد وتتنافس في التجارة. الجانب الوحيد الذي يجمع بين العرب هو اللغة والثقافة؛ فإذا سحبنا البساط من تحت هذا الجانب فإننا نهدم صرحا يظل كافة العرب وكأننا نهدم المعبد فوق رءوسنا.
ولهذه الحيثيات فإنه لا يمكنني أن أقف مع الداعين إلى هدم العربية من أساسها، لكنني أطالب بإعادة النظر في القواعد الأساسية للغتنا؛ لتصبح أداة فعالة لتفجير طاقات العقل العربي المحتبسة في هيكل اللغة المقدس.
وأنا على ثقة من أنني أترجم المشاعر الدفينة في نفوس ملايين العرب، وأنا أهتف قائلا: يسقط سيبويه.
الفصل الأول
Неизвестная страница
برج بابل
يخطئ كثيرا من يتصور أن قضية اللغة من القضايا الهامشية أو الثانوية التي يواجهها المجتمع، أو حتى أنها مجرد قضية هامة من بين قضاياه المتعددة. وقد يرى البعض أن الأجدى التعرض للقضايا الاقتصادية أو الاجتماعية، أو غير ذلك من الموضوعات الحيوية التي تمس الحياة اليومية للإنسان العربي. أما قضية اللغة فهي ترف ينبغي أن نتركه للمتخصصين وعلماء الفقه اللغوي.
فالحقيقة أن اللغة قضية حيوية ستسهم بشكل حاسم في تحديد الهوية العربية وتطور ثقافتنا في القرن الحالي. كما أنها ملك لكل من يستخدمها وليست حكرا على علماء اللغة. وسنحاول في هذا الفصل إثبات أهمية اللغة في حياة الإنسان منذ بدء الخليقة، وكيف كانت عنصرا مؤثرا في تطور المجتمعات وتشكيل الوجدان الجماعي لها.
وهناك بين اللغة والفكر علاقة جدلية؛ فاللغة وعاء الفكر، والفكر مضمون اللغة. والإنسان لا يستطيع أن يفكر بطريقة مجردة وإنما يفكر من خلال كلمات وتركيبات لغوية تتفاعل في ثنايا عقله. فنقل الأفكار يكون دائما باللغة سواء عن طريق الكلام أو الكتابة.
أما وسائل التعبير الأخرى مثل الرسم والموسيقى مثلا فتنقل شحنات من الأحاسيس والمشاعر. لكن كل هذه الوسائل التي لا تعتمد على اللغة عاجزة عن إيصال الفكر من إنسان إلى آخر. وقد ظل الإنسان لمئات الآلاف من السنين أقرب إلى الحيوان؛ نظرا لعدم تبلور أداة للتفاهم بينه وبين الآخرين من بني جنسه.
وعلماء الأنثروبولوجي يؤكدون العلاقة المتوازية بين تطور اللغة وتقدم المجتمعات الإنسانية؛ فكلما استطاع الناس أن يتفاهموا فيما بينهم، كلما نجحوا في تطوير حياتهم ومستوى معيشتهم. والعكس صحيح، فقد ثبت دائما أن التخلف الفكري والإفلاس الحضاري يؤديان بالضرورة إلى اضمحلال اللغة.
والتخلف اللغوي يعيق العقل عن التطور الحضاري ويؤدي إلى تحجيم للإدراك والخيال اللازمين للتقدم؛ فالفقر اللغوي كثيرا ما يعكس فقرا معنويا وحتى ماديا للمجتمع.
والتعريف الشائع للإنسان هو أنه حيوان ناطق، فالفارق الرئيسي بين الإنسان والحيوان هو النطق، أي: اللغة. الحيوان لا يستطيع التعبير عن نفسه، ولا يستطيع أن يورث خبرته وتجاربه لمن بعده، على عكس الإنسان الذي ينقل كل معارفه وعلمه عن طريق اللغة.
وهناك نظريات عديدة في أصل اللغات، ونشأتها وتطورها عند الإنسان البدائي الذي ظل ملايين السنين حتى توصل إلى لغة راقية تعبر عن مشاعره ومتطلباته. لكن علماء الأنثروبولوجي يرجحون أن الإنسان الأول كان يدرك الأشياء في البداية، كصور مجسدة في عقله، فيفكر مثلا في أسد أو نهر، فيتمثل كل منهما أمامه، وظل كذلك حتى بدأ يصدر أصواتا للتعبير عن تلك الأشياء التي يريد استحضارها ونقلها لغيره. ومن هنا بدأت اللغة.
وظل التفكير الإنساني قاصرا وأقرب إلى تفكير الحيوان طالما لم تتكون لغة التحاور؛ فالتفكير في الأشياء المادية المحسوسة والأحاسيس الغريزية مثل الخوف والجوع يساعد على خلق لغة بدائية تتكون من أصوات، ثم كلمات مقتضبة للتعبير عنها، لكن التطور الذي عرفه الإنسان بعد المراحل الأولى من وجوده على الأرض، كان يستلزم وسيلة أكثر تعقيدا للتعبير والتفاهم. وبدأت اللغات تنمو وتتطور وتجسد أفكارا مجردة. وبالتوازي مع تطور وسيلة التعبير عما يجيش في صدره من أحاسيس ومشاعر انفتحت أمام الإنسان آفاق التقدم والحضارة.
Неизвестная страница
وكانت الكتابة من أهم الثورات الثقافية التي عرفها تاريخ البشرية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، بل إن التاريخ نفسه يبدأ بالكتابة، أي: بتثبيت اللغة الشفهية وتخطيها لحاجز الزمن. والخط الفاصل بين ما يسمى بعصور ما قبل التاريخ وعصور التاريخ هو اختراع الكتابة. وعلى الرغم من اختلاف العلماء حول الحضارة التي كان لها فضل اختراع الكتابة أهي المصرية، أم السومرية؟ إلا أن الإجماع على أن بدء التدوين كان لحظة تاريخية فاصلة، جعلت الإنسانية تقفز قفزة عملاقة إلى الأمام.
قبل ذلك كانت المعلومات والخبرات تنتقل كلها شفاهة من جيل إلى جيل. وهذا التوارث السمعي من شأنه أن يطمس الثقافة ولا يسمح بوجود دين أو معرفة حقيقية. فقوام الأديان السماوية كلها هي الكتب التي تحمل رسالة كل دين، وليس المنقول عن الأنبياء أنفسهم بالسمع جيلا بعد جيل. فالتوراة والإنجيل والقرآن هي الأسس التي شيدت عليها الديانات السماوية الثلاث. وكان القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد المحفوظ عند العرب بعد انتقال سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم
إلى الرفيق الأعلى.
وإذا سألنا أنفسنا: ما الذي يربطنا بماضينا وبتراثنا الثقافي؟ فإن الإجابة هي ببساطة: اللغة؛ فاللغة هي الوسيلة الأساسية لمعرفة كل ما حدث قبل وجود جيلنا في الدنيا، فمعلوماتنا عن الماضي نستقيها من الكتب التي تركها السلف، كما أن التراث والأدب والفكر مرهونون كلهم باللغة التي دونوا بها ونقرؤها اليوم كما قرأها من عاشوا قبلنا.
هناك طبعا الآثار الباقية مثل: الأهرام وأبي الهول، والمساجد، والقصور، والقطع الأثرية، مثل: التماثيل والأواني والحلي وغير ذلك، لكن كل مخلفات الماضي البعيد والقريب تفقد معناها في غياب الفهم اللغوي؛ فالآثار الفرعونية القديمة مثلا ظلت أحجارا صماء لم تعرف قيمتها ومعناها أجيال متعاقبة من المصريين لقرون طويلة بسبب عدم فهم اللغة الهيروغليفية المنقوشة عليها. وكان العرب يفتون فتاوى غريبة حول بناء الأهرام، فصاحب المعجم القاموس يقول مثلا: «إن الهرمين بناءان أزليان بمصر، بناهما إدريس عليه السلام، لحفظ العلوم فيهما من الطوفان، أو بناء سنان بن الشلشل.»
ووصل الأمر إلى أن الخليفة المأمون عندما قدم إلى مصر عام 832م أمر بتفكيك أحجار الأهرام بهدف استخدامها في بناء منشآت جديدة. ولولا ثقل الأحجار وأحجامها الضخمة، التي حالت دون تنفيذ أوامر المأمون، لفقدت مصر والعالم أجمع إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة. بل إن هرم خوفو هو الوحيد الباقي إلى يومنا هذا من عجائب الدنيا السبع القديمة.
أما الست الأخر، وهي: فنار الإسكندرية، وحدائق بابل المعلقة، وعملاق رودس، وتمثال زيوس، ومعبد أرتميس (حامية الأرض عند الرومان) وضريح هاليكارناس، فقد تهدمت جميعا بفعل الزلازل، والحرائق، والعوامل الطبيعية الأخرى.
فالهرم الأكبر إذا هو البناء الوحيد من عجائب الدنيا السبع الأصلية الذي تحدى الزمن وانتصر على كل عوامل الهدم، مما جعل الشاعر يقول عنه:
خليلي ما تحت السماء بنية
Неизвестная страница
يشابه بنياها بنا هرمي مصر
بناء يخاف الدهر منه وكل ما
على الأرض يخشى دائما سطوة الدهر
وهذا الصرح العظيم الذي يعتبر اليوم أهم بناء على وجه الأرض، ويوضع على رأس قائمة التراث العالمي الواجب حمايته، والذي تحتضنه منظمة اليونسكو الدولية، كاد يزول بسبب الجهل باللغة.
وعندما نجح شامبليون في فك طلاسم الهيروغليفية في بداية القرن التاسع عشر تكشفت أسرار الحضارة المصرية القديمة، التي يعتبرها العالم أجمع اليوم أم الحضارات الإنسانية كلها. وقد كانت اللغة هي المفتاح الوحيد؛ لفهم قيمة الأحجار الصماء التي تركها أجدادنا في عصور الفراعنة.
ولو افترضنا جدلا أننا فقدنا فجأة معرفتنا بالعربية، فإننا لن نستطيع قراءة القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، وسننقطع بذلك عن ديننا، كما سنفقد أي اتصال بتراثنا الأدبي والثقافي العظيم. فما الذي يربطنا بعظماء مثل المتنبي أو البحتري أو حتى أحمد شوقي وطه حسين؟ إنها اللغة أيضا.
ولو لم نكن نعرف العربية؛ لما استطعنا أن نفهم ما أبدعه هؤلاء؛ ولصرنا عاجزين عن الارتباط بماضينا. والانقطاع عن الماضي هو أكبر كارثة يمكن أن تواجه شعبا من الشعوب. والوصل المطلوب بالتراث اليوم يمر بتطوير سريع وجريء للغة؛ وليس بالتمسك بها كما هي بغباء قد يؤدي إلى أخطر النتائج على العربية. •••
وبالإضافة إلى دورها الأساسي كوسيلة وحيدة لحفظ التراث وانتقاله عبر الأجيال، فإن اللغة هي أحد أهم العناصر المكونة للحضارة وللهوية الإنسانية في كل مكان. وأول اتصال بين إنسان وآخر يتم عن طريق اللغة. ويحتاج الزعماء ورجال السياسة والاقتصاد إلى مترجمين للتفاهم، ولولا هؤلاء المترجمون الذين يجيدون أكثر من لغة لكان التفاهم صعبا للغاية، إن لم يكن مستحيلا. فاللغة هي الأداة الأساسية للتفاهم، لكنها أيضا الوعاء الذي يتبلور فيه فكر الإنسان ورؤيته للحياة؛ وبالتالي فإن اللغة هي العنصر المشكل للثقافة وللفكر والفلسفة والآداب.
وبالإضافة إلى هذا فإن اللغة هي أداة التفاهم الأساسية بين أبناء البشرية. وقد أثبت القرآن الكريم الأهمية الحيوية للغة حين يقول تعالى:
وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم (سورة إبراهيم: 4)؛ أي أنه لو تحدث الرسل بلغة مختلفة أو غريبة عن قومهم ما أوضحوا لهم وما بينوا لهم ما كلفوا بنقله من رسائل سماوية. ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى عندما يقول:
Неизвестная страница
ولو نزلناه على بعض الأعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين (الشعراء: 198 و199).
ثم هذه الآية التي توضح هذا المعنى بجلاء:
ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء (فصلت: 44). ومعنى هذا بوضوح أن اختيار الله سبحانه وتعالى للعربية جاء بناء على لغة القوم الذين أنزل عليهم الكتاب.
والواقعة الوحيدة المذكورة في القرآن عن تحدث الله سبحانه وتعالى إلى بشر كان بطلها النبي موسى؛ ويقول كتاب الله:
فلما أتاها نودي يا موسى * إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى * وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (طه: 11، 12، 13). وباقي الآيات معروفة في سورة طه. ولنا أن نتساءل: بأي لغة تحدث الله إلى عبده موسى؟
فموسى تربى في مصر وعاش بها وكان يتحدث اللغة المصرية القديمة. أما العربية، فلم يكن لها وجود على الأرض آنذاك؛ فموسى عاش قبل خاتم الأنبياء بسبعة عشر قرنا. ويجمع علماء اللغة على أن لغة الضاد لم تتخذ ثوبها الذي نزل به القرآن إلا قبل قرن أو قرن ونصف على الأكثر قبل الدعوة.
ومن المسلم به أن موسى فهم كل كلمة مما قاله ربه؛ فقد سأله:
وما تلك بيمينك يا موسى (طه: 17) فأجابه النبي كما هو وارد في سورة طه، ثم ألقى الله بأوامر محددة حين قال:
ألقها يا موسى (طه: 19) ثم:
قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى (طه: 21) ثم:
Неизвестная страница
واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى (طه: 22) ثم:
اذهب إلى فرعون إنه طغى (طه: 24). وقد أجاب موسى على خالقه ونفذ كل هذه الأوامر على الفور، أي أنه فهم تماما اللغة التي نودي بها، بل إنه أجاب على الله بالكلام فقال من بين ما قال:
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (طه: 18)، كما توجه إلى ربه بالرجاء في الآيات من 25 إلى 35.
وإذا أعملنا عقلنا لوجدنا أن هناك احتمالين من الصعب أن يكون لهما ثالث وهما:
إما أن يكون الحوار مع موسى باللغة الوحيدة التي يفهمها وهي المصرية القديمة.
أو أن يكون الله قد أوحى إليه المعاني دون اللجوء إلى لغة معينة.
لكن المنطق يقول إن موسى حتى في الحالة الثانية قد تحدث بلغته الأم وهي المصرية القديمة.
وفي كل الأحوال فإن العبرة أن الله تحدث إلى موسى بأسلوب يفهمه ويدرك معانيه، ولو تحدث إليه بالعربية مثلا؛ لما فهم وما استطاع أن يطيع الأوامر. •••
وقد لعبت اللغة منذ فجر التاريخ دورا محوريا في نسج الضمير الجماعي للمجتمعات، لكنها ظلت أداة استخدام داخلية أي بين أبناء المجتمع الواحد الذين يتحدثون نفس اللغة . فكانت أهمية اللغة كبيرة في تماسك المجتمعات وربطها بهيكل بنيوي واحد في أسلوب التفكير. ولم تكن المجتمعات في السابق متداخلة، ولم يكن السفر والتنقل متاحين بسهولة كما هو الحال اليوم؛ فظلت لغة كل مجتمع هي التي تتسيد وحدها الفضاء الجغرافي الذي يضم كل أفراده. وكان أبناء المجتمع الواحد لا يعرفون إلا لغة واحدة للتفاهم، ولا يدور بخلدهم أن يتعلموا لغة أخرى، إلا باستثناءات نادرة.
أما اليوم فقد تغيرت الصورة جذريا، وأصبحت اللغة أداة تفاهم بين المجتمعات المختلفة. ولم يعد من الممكن في بداية القرن الحادي والعشرين على أية دولة في العالم أن تعيش يوما واحدا دون الاتصال بدولة أخرى تتحدث لغة مختلفة عنها.
Неизвестная страница
وكان من نتائج ذلك أن أصبحت مهنة الترجمة والتي كانت موجودة منذ قديم الزمان من أهم وأخطر المهن في العالم، وقد أصبحت أيضا من أكثر المهن المجزية من الناحية المادية؛ حيث يتقاضى المترجم الفوري في المؤتمرات الدولية مكافأة يومية مرتفعة نظرا لأنه من أهم مقومات نجاح الاجتماعات، ولولاه لما حدث تفاهم بين الحاضرين.
وقد أدرك الإنسان منذ أقدم العصور أن اللغة هي أداة توحيد وانسجام ووفاق. وتروي التوراة قصة تؤكد أهمية اللغة في ترابط المجتمعات، فتقول إن الناس كانوا في بدايات البشرية قوما واحدا يتكلمون لغة واحدة. ثم ظهر في بابل ملك طاغية يدعى نمرود تصور أنه قادر على مناطحة الآلهة.
وشرع هذا الملك في بناء برج شاهق يرتفع به إلى عنان السماء حتى يصل إلى الآلهة ويتحداهم؛ فقد كان هذا الملك يعتبر نفسه أقوى من الآلهة التي في السماء، وأراد أن يثبت ذلك لقومه، فما كان من الخالق إلا أن جعل العاملين في بناء البرج يتكلمون لغات مختلفة. وعلى الفور اختفى التفاهم فيما بينهم ودبت الخلافات وأخذوا يتشاجرون بدلا من العمل في بناء البرج، ولم يستطيعوا، بالتالي، إكمال البناء. وأخفق نمرود في وضع مشروعه المجنون موضع التنفيذ.
وخلاصة هذه القصة هي أن اللغة هي أساس التفاهم بين الناس، وأن وجود لغات مختلفة جعل الناس عاجزين عن السعي في مشروع مشترك وهو بناء برج بابل.
وبرغم هذه القصة الواردة في التوراة فمن المؤكد أن وجود لغات مختلفة هي نعمة من نعم الله؛ فكل لغة تعبر عن ثقافة بذاتها ورؤية للحياة تختلف عن غيرها، كما أنها تعكس منظومة فكرية تثري حضارات الإنسانية. وهناك آلاف اللغات التي اندثرت تماما ولم يعد علماء اللغات يعرفون عنها شيئا، ولا يستطيع علماء اللغة إحصاء عدد هذه اللغات لكنها اختفت عادة لحساب لغات أخرى أكثر تعبيرا عن احتياجات المجتمع. فكأن اللغات القديمة مثل السمك في الماء يبتلع الكبير الصغير.
حتى في الجزيرة العربية خلال الجاهلية كانت هناك عشرات اللهجات المختلفة إلى أن جاء القرآن فانزوت كلها ولم تبق إلا لغة قريش أداة للتفاهم بين العرب.
وهناك لغات اندثرت لكنها لازالت معروفة للمتخصصين. ولعل أشهرها اللاتينية التي تعد اللغة الأم لعدة لغات حية من أهم لغات عالم اليوم، مثل: الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية. كما أن هناك اللغة اليونانية القديمة التي أبدع بها هوميروس وأفلاطون وأرسطو وسوفوكليس وغيرهم ممن غيروا نظرة الإنسان للحياة في القرون السابقة على ظهور المسيح.
وكان لكل حضارة من تلك الحضارات واللغة المعبرة عنها دور حيوي في تقدم الإنسانية ورقيها ووصولها إلى ما هي عليه الآن بفعل تراكم المعارف. ولولا اللغة لما كان ذلك متاحا. •••
ووعيا منه بخطورة اللغة في العلاقات بين الشعوب، طرأت على ذهن طبيب بولندي في نهاية القرن التاسع عشر فكرة عبقرية؛ فقد وضع لغة جديدة تماما هي مزيج من أهم لغات العالم، أطلق عليها اسم «إسبيرانتو» ونشرها عام 1887م باسم اللغة العالمية.
لكن الفكرة سرعان ما أهملت وسقطت في طي النسيان، فلم يكن وراءها ثقافة ولا دولة قوية تحميها.
Неизвестная страница
وعندما أفاق الناس من صدمة الحرب العالمية الثانية المروعة، رأى البعض ضرورة البحث عن وسائل لنزع فتيل المواجهة بين أبناء البشرية، وأرادوا مد جسور التفاهم بين الناس، فعادت الروح بعض الشيء إلى الإسبرانتو على أساس أنه إذا تحدثت كل شعوب العالم لغة واحدة فسوف يؤدي ذلك إلى إذابة العوائق النفسية ونزعات الشر الكامنة في نفس الإنسان تجاه من يعتبرهم غرباء عنه.
لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، كما أن فكرة إقامة حكومة واحدة للعالم هي حلم من الأحلام الوردية التي لا يمكن تحقيقها في المستقبل المنظور، فحتى دول الاتحاد الأوروبي لازالت عاجزة حتى الآن - برغم تقدمها في الوحدة فيما بينها - عن إنشاء نوع من أنواع الحكم الفوقي تخضع له كل الدول الأعضاء. وكان الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان يحلم بأن يكون أول رئيس للولايات المتحدة الأوروبية، لكن هناك أفكار مثل الإسبرانتو تسبق عصرها وقد تتحقق في المستقبل البعيد عندما تتغير ظروف المجتمعات البشرية. •••
وإذا أخذنا مثالا آخر من القرن العشرين يعكس إدراك الإنسان لأهمية اللغة نجد أن الطاغية النازي أدولف هتلر (1889-1945م) كان يحلم بتوحيد كل الناطقين بالألمانية في أوروبا. وقد قام بغزو النمسا وأهلها يتحدثون الألمانية، ثم غزا المناطق البولندية الناطقة بالألمانية، وبعد ذلك منطقة السوديت جنوب تشيكوسلوفاكيا السابقة، وسكانها أيضا كانوا من الناطقين بالألمانية.
ومن يتابع تحرك الجيش النازي في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين يتضح له مخطط هتلر الذي كان يقوم في أساسه على اللغة التي كان يعتبرها أحد المكونات الأساسية للجنس؛ فخريطة التحرك كانت مطابقة لخريطة المجتمعات التي تتخذ من الألمانية لغة للتفاهم.
وكان لهتلر بطبيعة الحال أطماع توسعية واستعمارية أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية، لكن فكرته الرئيسية كانت قيام إمبراطورية تضم كل أبناء العنصر الألماني الناطقين بالألمانية. وقد فرض على الحلفاء في اتفاقية ميونيخ عام 1938م ضم منطقة السوديت بجنوب تشيكوسلوفاكيا السابقة، على أساس أن أهلها يتحدثون الألمانية.
مثال آخر من العالم العربي: إذا قمنا بتحليل حقبة الاستعمار من منظور لغوي يتضح لنا أن اللغة لعبت دورا هاما لازال العرب واقعين تحت تأثيره إلى بداية القرن الواحد والعشرين.
وقد تقاسم الهيمنة على العالم العربي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر دولتان أوروبيتان، لكل منهما مفهومها الخاص عن رسالتها الثقافية واللغوية؛ فإنجلترا كانت تهدف من فرض سيطرتها على المستعمرات الاستفادة المادية والانتفاع بخيرات الأراضي التي احتلتها إلى أقصى حد ممكن، ولم تسع بريطانيا لفرض لغتها أو ثقافتها على الدول التي استعمرتها في العالم العربي وعلى رأسها مصر.
أما فرنسا فكان لها هاجس آخر بالإضافة إلى الاستفادة المادية؛ فقد كانت حريصة على نشر ثقافتها ولغتها في الدول العربية والإفريقية وغيرها التي وقعت تحت براثنها. وكانت السلطة الفرنسية تفرض لغتها في المدارس وتحارب العربية، أو تسعى لتقليصها بقدر المستطاع، وجعلها لهجة للتفاهم البدائي بين أبناء الشعوب الخاضعة لها. وكان أبناء الجزائر وتونس والمغرب يتعلمون في المدارس أن أجدادهم هم الغاليون، وهؤلاء بطبيعة الحال هم أجداد الفرنسيين وحدهم.
فرنسا إذا لم تكتف بالسيطرة على الأرض، لكنها أرادت السيطرة على العقل، واكتشفت أن الهيمنة العقلية تمر من خلال الحالة اللغوية. ومن الواضح، برغم سوء نواياها، أنها كانت على صواب.
وكانت نتيجة السياسة اللغوية التي انتهجتها فرنسا أن شعوب المغرب العربي لازالت إلى الآن مرتبطة ارتباطا ثقافيا وثيقا بفرنسا، ويقترب منهاج تفكيرها من المنهاج الفرنسي أكثر منه إلى العربي. صحيح أن أبناء الجيل الحالي يبذلون جهودا جبارة للتخلص من سيطرة التأثير الفرنسي والتوصل إلى صيغة يلتحمون بها بثقافتهم العربية الأصيلة، لكن الأثر الثقافي الذي تركته سنوات الاستعمار لازال شديد الوطأة على العقل المغاربي.
Неизвестная страница
ومع ذلك فإنه من المؤكد أن تأثر الشعوب المغاربية بالفرنسية قد أفادها كثيرا بعد مرحلة الاستعمار، وانعكس في الانتعاشة التي تعيشها هذه الدول منذ نهايات القرن العشرين.
والغريب أن المفهومين الفرنسي والإنجليزي لقضية الثقافة واللغة لا زالا ينعكسان إلى يومنا هذا على موقف الدولتين من الجاليات الأجنبية المقيمة فيهما؛ فإنجلترا تتعامل مع الجاليات الأجنبية بها، وكأنها وحدات مستقلة بثقافتها ولغاتها طالما أنها تصب في نفع الاقتصاد الإنجليزي، ولا تعكر صفو الأمن العام؛ فالهنود مثلا لهم أحياؤهم التي يعيشون فيها بلندن، وكأنهم في بومباي أو نيودلهي.
أما فرنسا فترفض هذا المنطق بشدة وتسعى إلى إيجاد مجتمع متجانس في الثقافة واللغة والمزاج، وتنظر بعين القلق إلى أي محاولة للتميز الثقافي أو اللغوي من قبل أي جالية أجنبية.
وكان هذا المفهوم هو السبب في انفجار قضية الحجاب في المدارس الفرنسية منذ الثمانينيات من القرن العشرين. •••
ولعل كل هذه المواقف تصب في قالب واحد وهو تأكيد الأهمية الحيوية للغة، ووعي المجتمعات المتقدمة بالدور الخطير الذي يمكن أن تقوم به سلبا أو إيجابا.
ويتزايد إحساس الإنسان بأهمية اللغة عندما يزور بلادا غريبة لا يجيد لغتها؛ فيحس وكأنه تائه وضائع تماما، ويشعر بالعجز عن الاتصال بالمحيطين به، وقد يتعرض لمواقف صعبة أو لأخطار بسبب جهله باللغة.
ومع تسليم الجميع بأهمية اللغة على مستوى الإنسانية، فإن المجتمعات العربية تضع لغة الضاد في مكانة خاصة لا تطالها أي لغة أخرى، بل لا تقترب منها. فاللغة منذ العصر الجاهلي تلعب دورا محوريا في حياة العرب، كما كانت تسهم في تحديد العلاقات بين الناس، بل وفي تحديد طبقات المجتمع، جنبا إلى جنب مع شرف النسب ووفرة المال. ولن أطيل في وصف الأهمية التي كان يحظى بها الشعراء، أولا والخطباء في المرتبة الثانية. ولم يكن الأمراء يستنكفون رواية الشعر، على عكس كل المجتمعات الأخرى التي كانت ترى الفن والأدب هواية لا تجوز إلا للعامة؛ فامرؤ القيس، وأبو فراس الحمداني، والمعتمد بن عباد، كانوا من أمراء قومهم على سبيل المثال لا الحصر.
بل إن هناك خليفة كان يقرض الشعر بنفسه، وهو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثاني خلفاء بني أمية، وينسب إليه بيت من أشهر الأبيات التي يستدل بها على البلاغة العربية يقول فيه:
وأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد
Неизвестная страница
ومهما كانت أهمية اللغة بالنسبة لكافة شعوب العالم منذ قديم الأزل، فلا يوجد شعب يعشق لغته ويبجلها مثل الشعب العربي، فالعربي ينتشي لحسن اللغة بقدر ما يطرب لنغمات الموسيقى. واللغة تحكم سيطرتها السحرية على العقل العربي بصورة غير مسبوقة وغير موجودة في كافة ثقافات العالم.
ويلخص فيليب حتي افتتان العرب بلغتهم في كتاب «تاريخ العرب» (دار الكشاف للنشر والطباعة، بيروت 1965م) حيث يقول:
وقل أن تجد بين أمم الأرض شعبا كالعرب في شدة إعجابهم بالأدب، وتأثرهم بالكلام الأنيق الذي يلقى في مجالس المخاطبة، ولهم شغف وهيام كبيران بجمال اللغة، سواء رأوها مكتوبة، أو سمعوها بآذانهم حتى تمتعت اللغة العربية بما لم تتمتع به لغة أخرى من الاستيلاء على عقول الناس، والسيطرة على أفئدتهم، بالرغم من أن هذا الأدب يرد أحيانا في لغة منمقة معقدة يفهمون بعضها، ويغلق عليهم البعض الآخر ...
الفصل الثاني
هل هناك لغة عالمية؟
طوال حقب التاريخ المتعاقبة كانت الأهمية التي تحظى بها اللغة انعكاسا لقوة الدولة أو الحضارة التي تستخدمها، حتى في الجزيرة العربية خلال العصر الجاهلي كانت لغة قريش هي أهم اللغات نظرا لأهمية مكة كمركز للتجارة والحجيج، ولموقعها من طرق التبادل التجاري. وظلت كذلك حتى جاء القرآن الكريم ليؤكد تفوق لغة قريش ويحيل إلى طي النسيان كل اللغات الأخرى التي كانت متداولة بين القبائل في الجزيرة.
والسؤال الذي يثير بعض الجدل في مجال اللغات اليوم هو: هل هناك لغة عالمية؟ أي هل هناك لغة يمكن للإنسان استخدامها في أي مكان في العالم ويكون مفهوما من الجميع؟ في بداية التسعينيات كتب رئيس تحرير صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية مقالا يقول فيه حرفيا: «اللغة العالمية هي الإنجليزية.»
ولا شك أن هناك مغالاة في مقولة رئيس تحرير هذه الصحيفة، برغم الأهمية الكبرى التي تحظى بها اللغة الإنجليزية، أو بمعنى أدق اللغة الأمريكية، فالمعنى الدقيق لكلمة لغة عالمية أنها لغة يفهمها كل الناس في العالم. وهذا بعيد جدا عن الإنجليزية، وعن أي لغة أخرى في أي عصر من العصور. وعدد المتحدثين بالإنجليزية اليوم كلغة أولى لا يتعدى 341 مليونا كما يتضح من الجدول التالي:
عدد الناطقين بأهم لغات العالم كلغة أم.
اللغة
Неизвестная страница
العدد بالمليون
الصينية (مندارين)
874
هندي
366
إنجليزي
341
إسباني
322
عربي
Неизвестная страница
240
بنغالي
207
برتغالي
176
روسي
167
أما عدد الذين يجيدون الإنجليزية في العالم فلا يمكن معرفته بدقة، لكن التقدير الجزافي المتداول هو مليار إنسان يعيشون في قارات العالم الخمس.
وفي التاريخ الإنساني كانت هناك في كل العصور لغة تتفوق على اللغات الأخرى في الأهمية لأنها لغة الحضارة المسيطرة في العالم. كان هذا هو الحال بالنسبة للغة اليونانية قبل المسيح بعدة قرون، ثم اللاتينية عندما كانت روما القوة العظمى التي تبسط نفوذها على معظم بقاع العالم المعروف آنذاك، ومنها مصر. وكان العالم يعيش ما يسمى «باكس رومانا» أي السلام الذي تفرضه روما على الجميع.
وكانت كل المعاملات تتم في تلك العصور باليونانية ثم باللاتينية. وقد ظهرت آنذاك كلمة «بربري»، وكانت تعني ببساطة كل من ليس يونانيا أو رومانيا، ومن لا يتكلم اليونانية القديمة أو اللاتينية. كما كان العرب يطلقون لفظة «أعجمي» على كل من لا يجيد العربية، أيا كان أصله.
Неизвестная страница