219

ثم مات الرجل في داره حينما زالت عنه رهبة السلطان، ولم يمت في الحبس كما وهم بعضهم في قول بعض حاسديه:

رأيت ابن سينا يعادي الرجال

وبالحبس مات أخس الممات

فلم يشف ما ناله بالشفا

ولم ينج من موته بالنجاة

وإنما كان «الحبس» في اصطلاحهم بديلا من داء «الإمساك» في اصطلاح هذا الزمان!

وقد صدق هذا الحاسد الشامت حين رد البلية كلها إلى معاداة الرجال لا إلى معاداة الله، أو معاداة رسل الله.

وابن رشد جمع على نفسه بين حسد الوجاهة والنباهة، وبين سخط العظماء ونكاية ذوي السلطان.

شرح كتاب الحيوان لأرسطو وهذبه، وقال فيه عند ذكره الزرافة: «رأيتها عند ملك البربر ...» وكان إذا حضر مجلس المنصور، وتكلم معه أو بحث عنده في شيء من العلوم يخاطب المنصور بأن يقول: تسمع يا أخي! ولا يخاطبه بألقاب الملوك والخلفاء.

فجزاه «ملك البربر» دقة بدقة ونكاية بنكاية، ورآه يستكثر عليه أن ينسب إلى العرب أو يسمى بخليفة المسلمين، فقال له: بل أنت الدخيل على أمة العرب وملة الإسلام فيما صح لدينا من الأنساب التي لا تقبل الكلام!

Неизвестная страница