قال الشيخ: اعلم احتراز من الباري تعالى فإنه عالم بوجوب بعض الأفعال عليه وقبح بعضها منه، وليس بمكلف؛ لأنه لم يعلمه بذلك أحد بل عالم بذاته غير ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
وقلنا: مع مشقة احتراز من أهل الجنة، فإن المشقة لا تخلقهم لقوله تعالى: {يمسهم فيها نصب}..الآية، وقلنا: مالم يكن ملجأ احتراز من المحتضر، وأهل الآخرة، وهذه الحقيقة معترضة من وجوه: أحدها قوله اعلم [34أ] فإنه أحترز من الباري تعالى، وقد خرج بذكر المشقة؛ لأنها لا تلحقه تعالى.
الثاني: في قوله بوجوب بعض الأفعال عليه، وقبح بعضها منه، فإنه قد خرج من الحد ما هو منه، وهو المندوب، والمكروه، وهما غير واجبين، ولا مستحبين.
الثالث: في قوله مع مشقة فإنه احترز به من أهل الجنة، وقد أخرجوا بالإلجاء.
الرابع: أنه قد يكون في التكليف ما لا مشقة فيه كقراءة القرآن بالصوت الحسن فإنه يرتاح إلى سماعه، ولا مشقة عليه في ذلك فإذا أردنا تصحيح الحقيقة.
قلنا: هو من أعلم بوجوب بعض الأفعال عليه، وقبح بعضها منه، وما اولأولى له أن يفعل، وما الأولى له أن يترك مع مشقة تلحقه في الفعل والترك، أو سببهما، أو ما يتصل به مالم يبلغ الحال به حد الإلجاء؟ قلنا: أعلم، ولم نقل: علم احترازا من الكافر فإنه أعلم، ولم يعلم فإنه أعلم بخلق العلوم الضرورية، ونصب الأدلة العقلية والسمعية، وقلنا بعض الأفعال عليه، وهو فعل الواجب، وقبح بعضها منه، وهو القبيح، وما الأولى له أن يفعله، وهو المندوب، وما الأولى له أن يترك وهو المكروه، وقوله مع مشقة وإذا قد ذكرنا المشقة فينبغي أن نبين ذكر حقيقتها، وقسمتها، ووجه اشتراطها.
أما حقيقتها فهي: عبارة عما يلحق الحي بترك ما شبهه أو بفعل ما ينهى عنه، وهو ينقسم إلى قسمين: مشقة في الفعل، ومشقة في الترك، فالمشقة في الفعل: هي عبارة عما يلحق الأعضاء بسبب الفعل من وهي، وونا، وضعف، وكلال.
Страница 58