[4]
باستصلاح أهله، بالعدل عليهم والمعونة لهم، فإن بعض الأمور لبعض سبب، وعوام الناس لخواصهم عدة، وبكل صنف منهم إلى الآخر حاجة، فاختر لذلك أفضل من تقدر عليه من كتابك. وليكونوا من أهل البصر والعفاف والكفاية، وأسند إلى كل امرئ منهم شقصا يضطلع به، ويمكنه الفراغ منه. فإن اطلعت على أن أحدا منهم خان أو تعدى، فنكل به، وبالغ في عقوبته. واحذر أن تستعمل على الأرض الكثير خراجها إلا البعيد الصوت، العظيم شرف المنزلة. ولا تولين أحدا من قادة جندك، الذين اتخذتهم عدة الحرب، وجنة من الأعداء،
خراجا، فلعلك أن تهجم من بعضهم على خيانة للأموال، وتضييع للعمل، فإن سوغته المال، وأغضيت له على التضييع، كان ذلك هلاكا للمال، وإضرارا بالرعية، وداعية إلى فساد غيره، وان أنت كافأته على فعله استفسدته، وأذهبت بهاءه، وأضغنت صدره، وهذا أمر توقيه حزم، والإقدام عليه خرق، والتقصير فيه عجز. ثم اعلم إنه إذا تطعم جمع الأموال من غير الجهة التي تعود أخذها منها، اشتد ركوبه إلى الدنيا، وصار طلبه الأموال من غير الوجه الذي قرب به، وأعطى عليه. وليس شيء أفسد لسائر العمال والكتاب، ولا أدعى إلى خراب أماناتهم، وهلاك ما تحت أيديهم، من جهالة الملك، وقلة معرفته بحالاتهم، وتركه مكافأة المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، فأكثر الفحص عن عمال الخراج وسيرهم وآثارهم، واختر لذلك العيون الموثوق بهم. واعلم أن من أهل الخراج من يلجئ بعض أرضه وضياعه إلى خاصة الملك وبطانته، لأحد أمرين، أنت حرى بكراهتهما: أما لامتناع من جور العمال، وظلم الولاة، فتلك منزلة يظهر بها سوء أثر العمال، وضعف الملك، وإخلاله بما تحت يده، وأما لدفع ما يلزمهم من الحق والكسر له، فهذه خلة يفسد بها أدب الرعية، وتنتقض الملك، فاحذر ذلك، وعاقب الملجئين والملجأ إليهم.
Страница 6