أين هو المولود؛ فإننا رأينا نجمه في المشرق؟
متى، فصل 2
في ميلاد الأربعين يبلغ عدد ميلادي أربعة وخمسين، ما عدا الليل فإنه ليس بالحساب، كأن ذاتي ظفر مرضوض ينسلخ ليخلفه غيره؛ ففي كل عام أجدني رجلا آخر، وأنى التفت أرى أشلاء ذواتي مكومة حولي كأنها أسلاخ الحيات، أراها مبعثرة في غابة العمر فأرثي لها، ثم أحسبني أفلت من شراكها، فإذا أنا كالديك العاثر بمكب من الغزل، فيا من يخلصني من ذواتي!
أحب هذا الجليلي لأنه أحب الحياة، وكم تشجيني ذكرى ميلاده العجيبة، من ميلاد بين البقر والتيوس، إلى معلم يحل الناموس، إلى ذروة العبادة والطقوس، أزعم أن ترياقي في خرجه فأرى أعشاب المجدل مخلوطة بنبات سادوم، فيا ويل العالم من خمير الكتبة والفريسيين!
ختم المعلم قصة عمره ختاما فنيا رائعا، قصر حباله فما اضطربت ولا تذبذبت، أحسنت يا سيدي.
للأستاذ «ألين» مجموعة عنوانها «آراء في الدين» كتب فصولها في ربع قرن، وختامها «ميلاد السلام» المكتوب سنة 1935، ألين زميلنا ولا فخر، فالأساتذة جميعهم مريخيون، تسيطر عاطفتهم على إرادتهم، غرهم الثناء فصدقوا أنهم شركاء الله في تدبير الكون، يدعو ألين إلى السلام العالمي، ويحث على التملص من ضباب اللاهوت، يريد أن تكون هدية المجوس للطفل كتبا لا مدافع، ومدارس لا قلاعا وحصونا.
الفكرة سامية والخيال ناعم كريش النعام، أما الواقع فأخشن من المبرد والمنشار، يقول ألين: أطفال اليوم كأولاد العصر الحجري، فلا الراديو ولا السينما ولا المتراليوز تغير خلية من خلاياهم الزلالية، ولا ذرة من إحساسهم الرخص وفسفور تفكيرهم، والعيون التي تنفتح في الطابق الخامس كالتي انفتحت منذ ألوف السنين في أعماق الكهوف.
هذه حقيقة علمية لا غبار عليها، ولكنها حجة على «ألين»، على أن الإنسان لا يتغير، فمن وحش خام يقتل الفرد بأنيابه وأظافره، إلى رجل متمدن يقتل الألوف بعقله وعلمه. يريد الأستاذ ألين أن ينصت الأولاد إلى أمثال الناس كهومير وشكسبير وغوت وموليير وهيغو وغيرهم ليتعلموا أن الناس إخوة، والدنيا كلها وطنهم؛ فالسربون والهيكل والكنيسة والكنيس تعد أقيسة منطقية ليست أقل قتلا من المدافع، والمرشالون يقدمون سيوفا معللين الفتيان بالشرائط المقصبة؛ فليس من يرجى منه الخير غير المربين - المعلمين - المهددين من بيلاطس وقيافا لأنهم لا يعدون الحمل للمجزرة.
فيا أصدقاء الطفولة هلموا إلى شجرة الميلاد الخضراء، فلنغن حولها: ولد يسوع اليوم، وولد أمس، وسيولد غدا. إنه ينقذ العالم إن لم يقتله قيافا وبيلاطس قبل الثلاثين من عمره، ولكن قيافا وبيلاطس يحفان بالمهد، يتبجحان بأمجاد عزرائيل، مالئين العلب الحاكية بأناشيد الحرب ليقتلوهم قبل هذا العمر.
إيه يا ألين، أين عيناك؟ لقد أمست شجرة الميلاد ملهاة تعلق في أغصانها المسدسات والطيارات والقذائف، لا الشموع والخراف وملائكة الرحمة. البشرية تعبد ذاتها في شخص يسوع، والذات شر من حوت يونان، وأكثر رءوسا من تنين يوحنا، قد سقط فندق السامري على رأس بانيه، ومات السيد عطشا على بئر يعقوب ... لا تدع الناس إلى الهزل، فلنجد يا صاحبي. •••
Неизвестная страница