ففي خلوتنا الخرساء نسمع ضجيج الناس الصاخب، وفي عزلتنا نحس أنهم حولنا يتجولون في مخيلتنا جولان أشباح الغوغاء على الشاشة البيضاء. كانوا في انتظاري عند المهد، وسيجذفون قاربي ليبلغ ميناء اللحد، وإن حسبت يومذاك أني نجوت منهم لأني نمت عنهم، فشباكهم ستلحقني إلى بحر الظلمات.
كل امرئ رهن غربالهم، سوف ينصبون ميزانهم ساعة ينفضون يدهم من ترابي، ويا ويلي إن شلت في ذلك الميزان.
فإن كنت تخشى ألسنة الخلق، وتصدق أنها أقلام الحق، فاعمل بالمثل القائل: «كل ما تشتهيه نفسك، والبس ما يعجب الناس.» ومعنى هذا وقوف الدولاب وبقاء القديم على قدمه، ليس ذلك من نواميس الطبيعة؛ فالطبيعة تركض وتوصينا لنسرع معها، وإن وقفنا جرفنا تيارها، فلنركض.
إن الطبيعة تهدم اليوم ما بنته أمس، فلا يفزعك هذا الخراب، واعلم أن الحياة ترقص بين النوائح حول التابوت، أما نحن فلسنا نراها لأننا نحب الركود، نؤثر أن نعيش أمواتا على أن نحيد عن الدرب ليمشي أبناؤنا ولا يعثروا بنا.
أرأيت الولد في عبثه كيف يعمر ويخرب؟ إنه يقلد أمه الطبيعة، فهي لا ترفع عرشا حتى تدكه وتجعله شعلة لإحدى ثورات اليوم الثامن.
قد تقول: وما هو هذا اليوم الثامن؟ اسمع فأعرفك بهذا المخلوق الجديد العجيب.
في ستة أيام خلق ربك السموات والأرض، وفي اليوم السابع استراح الجبار وتنفس الصعداء ... أما اليوم الثامن فهو يومنا نحن، أعني يوم الناس، يوم صباحه الأزل ومساؤه الأبد، فلا يكون صباح ولا يكون مساء حتى تحبل الإرادة الإنسانية وتلد العجائب.
اليوم الثامن جبهة سرمدية، لا تهدأ جنودها ولا ينفد عتادها، تنقض صواعق الأيام السبعة فتقتل حمارا أو تشقق جدارا، وتهبط صواعق اليوم الثامن فيغمر الأرض طوفان الموت والخراب.
لم يسترح ربك إلا حين خلق ابنا على صورته ومثاله، أطلق يده فيما أعد له ميراثا، وخبأ له الكنوز في الماء والهواء، وبين الجمادات والأحياء ليأكل خبزه بعرق جبينه كما وصاه ... فانتزع هذا الابن الذكي تلك الكنوز من مخابئها، وسيظل يجد ما دام يجد.
قل سبحان ربك في ملكه، فهو من جعل كلمة «الناس» قوامة على الناس ... وذر المنطق ودع القياس؛ فالفرض ضروري لحل المعضلات واستخراج المجهولات ...
Неизвестная страница