ومع ذلك، لم يكن الوضع بهذا السوء الذي ظنه أي منهما. فلو كان كذلك، لكان الزواج حينئذ علاقة فاشلة ، بل وشبه مستحيلة. وإذا استطاع رجلان تخطي أيامهما الأولى معا في خيمة واحدة دون مشاجرة، تصير الحياة أسهل ويهدأ التوتر.
كان رينمارك يقطع أمياله العشرة بسرعة دون اكتراث كبير بمن كان يقابلهم، لكن سائق إحدى العربات المارة أوقف حصانه، ودنا من رينمارك مخاطبا إياه.
قال له: «طاب يومك. كيف حال معيشتك في الخيمة؟»
تعجب البروفيسور من السؤال. هل ذاع خبر تخييمهما الغريب في العراء في كل أنحاء الريف؟ لم يكن سريعا في تمييز هوية الآخرين، بل كان ينتمي إلى نادي «أتذكر وجهك لكني لا أستطيع تذكر اسمك»، كما حدث معه في هذا الموقف. كان يقال عنه إنه لم يكن يعرف أبدا، في أي وقت من الأوقات، أسماء أكثر من ستة طلاب في صفه الدراسي، لكن هذا كان تشهيرا كاذبا به أثناء دراسته في الجامعة. كان الشاب الذي خاطبه يقود حصانا واحدا مربوطا بعربة أسماها «الديموقراط»، وهي عربة خفيفة ذات أربع عجلات ليست صغيرة وأنيقة كالعربة البوجية الخفيفة ولا ثقيلة وخرقاء كالعربة العادية. رفع رينمارك ناظريه نحو السائق بجهل ممتزج بالحيرة، وكان منزعجا لأن شعورا غامضا خالجه بأنه قابله في مكان ما من قبل. لكن دهشته من مبادرة ذلك السائق بمخاطبته سرعان ما تحولت إلى ذهول حين انتقلت عيناه من على السائق إلى حمولته. كانت «الديموقراط» محملة بكومة من الكتب المكدسة. كانت المجلدات الأكبر متراصة بإحكام بطول جوانب العربة ملاصقة لها، وبذلك منعت الكومة المليئة بالكتب المتنوعة من السقوط على الطريق من شدة الاهتزاز. تلألأت عيناه باهتمام جديد حين وقعت على الأغلفة المتعددة الألوان، وميز من وسط الكومة الأغلفة البنية المميزة لطبعات «هنري جورج بون» من الترجمات الكلاسيكية، التي كانت متناثرة كالكثير من ثمرات اللفت فوق قمة هذه التلة الأدبية. فرك عينيه ليتيقن من أنه لا يحلم. فكيف لابن مزارع أن يقود حمولة عربة من الكتب في براري الريف بلا مبالاة كأنها كم هائل من بوشلات البطاطس؟
رأى السائق الشاب، الذي أوقف حصانه لأن الحمولة كانت ثقيلة والرمال كانت عميقة، أن السائر الغريب عجز عن تمييز هويته، بل ونسي كل شيء آخر حالما وقعت عيناه على الكتب. وبدا واضحا أنه يجب أن يخاطبه مرة أخرى.
سأله قائلا: «إذا كنت عائدا، هلا تركب معي لأوصلك؟».
قال البروفيسور هابطا من شروده إلى أرض الواقع مرة أخرى ومتسلقا العربة ليركب بجوار الشاب: «أظن ... أظن أنني سأركب.»
قال الأخير وهو ينطلق بحصانه مرة أخرى: «أرى أنك لا تتذكرني. اسمي هوارد. لقد مررت بك في عربتي حين كنت قادما بخيمتك في ذلك اليوم على طريق ريدج. ورفيقك - ماذا كان اسمه ... ييتس، أليس كذلك؟ - تناول الغداء في بيتنا منذ بضعة أيام.» «آه، نعم. تذكرتك الآن. كنت أظن أنني رأيتك من قبل، لكن اللقاء استمر بضع لحظات فقط، كما تعلم. إن ذاكرتي سيئة للغاية في تذكر الأشخاص. ودائما ما كان ذلك أحد عيوبي. هل هذه كتبك؟ وكيف حصلت على مثل هذا الكم؟»
قال هوارد الشاب: «أوه، هذه المكتبة.» «المكتبة؟» «نعم، مكتبة البلدة، كما تعلم.» «أوه، البلدة لديها مكتبة إذن؟ لم أكن أعرف.» «حسنا، هذا جزء منها. إنه الجزء الخامس. أنت على دراية بشأن مكتبات البلدات، ألست كذلك؟ لقد قال رفيقك إنك كنت جامعيا.»
تورد وجه رينمارك خجلا من جهله، لكنه لم يجد غضاضة في الاعتراف بذلك. «علي أن أخجل من الاعتراف بذلك، لكني لا أعرف شيئا عن مكتبات البلدات. فلتحدثني عنها من فضلك.»
Неизвестная страница