تابعت السيدة بارتليت قائلة: «لا تكترثا به. أنتما في بيتي، وأيا كان ما يقوله جيراني في حقي من مساوئ، فلم أسمع قط أي أحد اشتكى من قلة المأكولات الشهية حين أستطيع الطهي. ادخلا حالا واغتسلا؛ لأن الطريق بيننا وبين الحصن القديم مغبر جدا، حتى وإن كان هيرام لم يعتد أن يقود بسرعة أبدا. وفوق ذلك، فالاغتسال منعش بعد نهار حار.»
لم يكن ثمة أدنى شك في حميمية هذه الدعوة، واستجاب لها ييتس، الذي استثير تأدبه الطبيعي تجاه النساء فورا، بتأهب وصيف ملكي متملق. سبقتهما السيدة بارتليت إلى داخل البيت، ولكن بينما كان ييتس يمر بالمزارع، تنحنح ذلك الأخير بصعوبة، وأشار بإبهامه من فوق كتفه نحو الاتجاه الذي سلكته زوجته، وقال بهمسة مبحوحة: «لا داعي إلى ... إلى ذكر الثورة كما تعرف.»
رد ييتس بغمزة من تفهم الموقف: «لا بالطبع. هل سنتذوق عينة مما في الجرة قبل العشاء أم بعده؟»
فقال المزارع: «بعده، إن كان الخياران سواء لك.» ثم أضاف: «في مخزن الغلال.»
أومأ ييتس برأسه ودخل المنزل وراء صديقه.
اقتيد الشابان إلى غرفة نوم ذات مساحة أكبر من الحجم المعتاد في الطابق العلوي. كان كل شيء في المنزل يتسم بأقصى قدر من النظافة المقترنة بالتنميق والتدقيق، وساد المكان طابع من الراحة المبهجة. كان واضحا أن السيدة بارتليت مدبرة منزل يفتخر بها. كان في انتظارهما إبريقان كبيران من الماء العذب البارد، وكان الاغتسال، كما كان متوقعا، منعشا للغاية.
صاح ييتس قائلا: «أرى أن من الوقاحة نوعا ما قبول ضيافة رجل بعدما طرحته أرضا.» «سيكون هذا رأي معظم الناس، لكني أظنك تستهين بوقاحتك، كما تسميها.» «مرحى يا ستيلي! أنت تتطور. هذا حضور بديهة، إنه كذلك بالتأكيد. مع التشديد على أنه لاذع أيضا. لا تبال بذلك؛ أظن أنني وذاك العجوز المهووس بعام 1812، سنصبح على وفاق تام بعد ذلك. لا يبدو أن ما حدث يضايقه إطلاقا؛ لذا لا أرى سببا يجعلني أقلق بشأنه. عجوز ذات حنان أمومي، أليست كذلك؟» «من؟ المهووس بعام 1812؟» «لا، بل زوجة المهووس بعام 1812. أنا آسف أنني أثنيت على حضور بديهتك. يبدو أنك ستغتر. تذكر أن ما يراه الناس دليل ذكاء في صحفي يرونه وقاحة بغيضة لدى أستاذ جاد. هيا ننزل.»
كانت المائدة مغطاة بمفرش أبيض ناصع كما ينبغي للكتان الفاخر أن يكون. وكان الخبز منزلي الصنع حقا، وليس كمعظم خبز المدن حيث يساء استخدام ذلك المصطلح كثيرا. كانت قشرته بنية، وكانت لبابته هشة فاتحة. وكان الزبد، الذي جاء باردا من القبو الصخري، ذا لون أصفر يسر الروح. لاقى منظر المائدة الممتلئة بالطعام استحسانا كبيرا جدا في عيون المسافرين الجائعين. فقد كانت تحمل «وفرة منه»، كما أشار ييتس لاحقا.
صاحت السيدة بارتليت تزامنا مع ظهور الشابين، قائلة: «تعال يا فتاي!» فسمعا صرير الكرسي الهزاز على أرض الشرفة في تلبية فورية للنداء.
قالت السيدة بارتليت مشيرة إلى الفتى الذي وقف متحفظا بالقرب من أحد أركان الغرفة: «هذا ابني أيها السيدان المهذبان.» وهنا عرفه البروفيسور بأنه الشخص نفسه الذي تولى أمر الحصانين حين عاد والده إلى البيت. كان جليا أن شيئا ما من سلوك الأب قد غرس في خصال الفتى، الذي استجاب استجابة صامتة خرقاء لتعرفه على الرجلين.
Неизвестная страница