وبعد فبرق خلب متألق ... على البعد لم تمرع به أرض ممحل
ومن لا يغادر ثلمة في المَنِيل لا ... يسدُّ جداه ثلمة المتنوّل
ويحكى عنه من الاجتهاد في طلب العلم، وتحمل المشاق والصبر، شيء عجيب. ومن شعره في جواب أبيات لمحمد بن الطلبة اليعقوبي، يسأله إعارة كتاب التبصرة لابن فرحون.
يا ابن المشايخ والأشياخ أسلافه ... جزاء من يسعف العافين إسعافُهْ
لكنَّ تبصرة الحُكَّام مَبْخَلَةٌ ... ولؤلؤ وسواد القلب أصدافُهْ
ومن أعار سواد القلب أتلفه ... لكن يهون علينا فيك إتلافُهْ
ومن أشهر مشايخه المختار بن بون، وكان عليه اعتماده من كل طلبته، ولم يحمل عنه أحد من علمه ما حمل، وكان يساعده في نظم التسهيل حتى إنه قال: لو أخذت ما يخصني لم يبق منه ما يسمى به.
وكان حرمة الله هذا ﵀، من عجائب الدهر، ولما تضلع من ابن بون، جلس لإفادة الناس، وضربت إليه أكباد الإبل، وانتفع به خلق كثير، ولم يبلغ أحد من تلامذته مبلغ الشيخ سيدي ومحنض بن سيدي عبد الله الشقروي، وكانت له اليد الطولى في جميع العلوم. أما النحو فاشتهر به بعد ابن بون. وأما الفقه فكان المرجع فيه إليه أيضا، ويدل على تفننه قوله، وقد مر بربع خلا كانوا يطلبون العلم فيه على بن بون:
دمن دعتك إلى القريض فإن تجب ... فلمثلها يهدى القريض ويندبُ
وإذا سكتّ عن الجواب لشِرَّةٍ ... فاضت فذاك من الإجابة أصوبُ
أما النسيبُ فلا يسوغك ذكرهُ ... عصر التعلم والمشايخ يعذبُ
كنا مع البونيِّ في عرصاتها ... هالات بدر لم يشبها غيهبُ
فيها تجمَّعَ سيبويهِ ويوسفٌ ... والكاتبي والأشعريّ وأشهبُ
شاقتك أطلال يَلِين لهم وما ... شاقتك سعدى إذ نأتْكَ وزينبُ
1 / 25