Предупреждение общественности об опасностях ложных показаний
تحذير الجمهور من مفاسد شهادة الزور
Издатель
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
Место издания
بيروت - لبنان
Жанры
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١١)
تحذير الجمهور من مفاسد شهادة الزور
تأليف
أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي الأزهري المتوفى (١٣٧٠ هـ - ١٩٥١ م)
اعتنى به
رمزي سعد الدين دمشقية
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
Неизвестная страница
تحذير الجمهور مِنْ مَفَاسِدِ شَهَادَةِ الزُّوْرِ
1 / 2
جَميعُ الحُقُوقِ مَحْفُوظَةٌ
الطّبْعَةُ الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
دَارُ البَشَائِر الإسْلَامِيَّة للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص. ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: bashaer@cyberia.net.lb
1 / 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
مقَدّمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ذي الِإفضال، والصلاة والسلام على رسوله صاحب الخِصَال، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الزمان وطال.
أما بعد، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات هذه الأمة، وصفوا بها في محكم التنزيل بقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: ١١٠]، وحضَّ عليها الصادق المصدوق ﷺ بقوله: "والذي نفسي بيده لتأمُرنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُن عن المنكر، أو ليوشكَنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعُونَهُ فلا يُستجابُ لكم" (١).
وهذه المهمة الشريفة هي مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قام بها رسولنا العظيم ثم مِنْ بعده صحابته الكرام، ثم مَنْ بعدهم من علماء هذه الأمة الذين هم ورثة الأنبياء.
ومن هذه البابة تأتي الرسالة التي بين أيدينا لعالم بيروتي أزهري
_________
(١) رواه الترمذي ح ٢١٦٩، من حديث حذيفة بن اليمان، وقال: هذا حديث حسن.
1 / 5
جليل، هو الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني ﵀، والذي أراد بها النصح لأهل عصره في مسألة يتكرر وقوعها في كل العصور، وهي شهادة الزور مع تبيان مفاسدها وخطرها على المجتمع والأمة، كما نبَّه ﵀ إلى معنًى من معاني شهادة الزور يتمثل بمن يكتب شهادة خطية لمن أراد تقلّد منصب خاص أو عام يشهد له فيها بما ليس فيه، وهذا مما عمَّت به البلوى في هذا الزمن، نسأل المولى السلامة.
وقد قمت بالعناية بهذه الرسالة عن الطبعة الأولى المطبوعة في حياة المؤلف بالمطبعة العثمانية ببيروت سنة ١٣٢٧ هـ، وذلك بتخريج أحاديثها والتعليق على مواطن منها، مميزًا لتعليقات المؤلف بحرف [م] آخرها.
ولم تخلُ هذه النسخة من أخطاء طباعية قليلة قمت بتصحيحها ولا سيما في الأحاديث ضبطًا من مصادرها دون الِإشارة إلى ذلك.
وختامًا من المولى الكريم نرجو القبول وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
وكتبه
رَمزي سَعد الدين دمشقية
بيروت ٧ جمادى الأولى ١٤٢١ هـ
الموافق ٧ آب ٢٠٠٠ م
1 / 6
ترجمة المؤلف
هو العلاَّمة الشيخ أحمد بن عمر بن محمَّد بن غنيم المحمصاني البيروتي الأزهري، والده السيد عمر صاحب "المكتبة الحميدية" المشهورة في بيروت التي كانت ملتقى الأدباء والعلماء في بيروت.
وفي هذه الروضة العلمية -مكتبة والده- نشأ الشيخ أحمد محبًا للعلم وأهله، مواظبًا على حضور مجالس العلم وخاصة مجالس الشيخ محمَّد عبده خلال مدة إبعاده التي قضاها في بيروت.
دخل الجامع الأزهر الشريف طالبًا للعلم سنة ١٣١٥ هـ، ولازم مجالس الِإمام الأكبر الشيخ محمَّد عبده، وكان من تلاميذه المحببين إليه النُّجباء الذين نثروا تعاليمه في التجدُّد والتطوُّر، فاستقبلته بيروت حين عاد استقبالًا طيبًا، وأنزلته الأسر البيروتية إثر غيابه الطويل على الرحب والسعة، فكان له طلبة من رجال ونساء يذكرونه بالِإجلال والاحترام.
تولى أثناء إقامته في الأزهر أمانة مكتبته الشهيرة فأفاد من عمله هذا فائدة جُلَّى، ثم أصبح مدرِّسًا في الأزهر.
أخذ عن الشيخ محمَّد محمود الشنقيطي المتوفى ١٣٢٢ هـ علوم اللغة، واشترك معه في تحقيق عدة كتب، منها كتاب "الإِنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف" لابن السيد البطليوسي الأندلسي،
1 / 7
ومنها كتاب "الفصيح" للِإمام ثعلب، وله فيهما تعليقات وتفاسير تشهد برسوخ قدمه وفضله.
كما أخذ الِإجازة من السيد محمَّد بن جعفر الكَتَّاني، والشيخ السيد عبد الحي الكتاني، وقد اجتمع به في مصر (١).
بعد عودته إلى بيروت عُين مدرسًا في مكتب الحقوق العثماني، حيث تولّى شرح "مجلة الأحكام الشرعية" وإلقاء المحاضرات في علم أصول الفقه، وذلك سنة ١٣٣٢ هـ -١٩١٣ م. وانتخب عضوًا في المجمع العلمي اللبناني سنة ١٩٢٨ م، وأسندت إليه رئاسة لجنة المخطوطات فيه.
كان عضوًا عاملًا لعشرات السنين في جمعية المقاصد الخيرية الِإسلامية في بيروت، ثم رئيسًا للجنة المدارس فيها. يشجع طلبتها بالجوائز التي كان يغدقها على تلامذته المجلين.
كان خطيبًا ومدرِّسًا في الجامع العمري الكبير، وجامع الأمير عساف لعدة سنوات، وكان البيروتيون يتهافتون على سماع خطبه ويفيدون منها ويرجعون إليه في كثير من المشاكل التي كانت تواجههم في أمور دينهم ودنياهم.
درَّس القرآن الكريم واللغة العربية لرئيس الجامعة الأمريكية الدكتور بيار ضودج، فتوثَّقت بينهما صداقة العلم والمعرفة.
من مؤلفاته:
- كتاب خلاصة النحو.
- رسالة تحذير الجمهور من مفاسد شهادة الزور.
_________
(١) إتحاف ذوي العناية للشيخ محمَّد العربي العزوزي، ص ٧٣.
1 / 8
- شرح أحكام المجلة الشرعية.
- تفسير الفاتحة.
- مختصر جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي من روايته وحمله، طبع بمصر سنة ١٣٢٠ هـ (١).
كما اعتنى بتصحيح وضبط الكلمات اللغوية للكتب التالية:
- المعلقات السبع، طبع في مصر سنة ١٣١٩ هـ.
- الإِنصاف، طبع في مصر سنة ١٣١٩ هـ.
- اللؤلؤ النظيم في روم التعليم والتعلم، طبع في مصر سنة ١٣١٩ هـ.
- حجج القرآن، طبع في مصر سنة ١٣٢٠ هـ.
- فصيح ثعلب.
وله عدة قصائد شعرية ومحاضرات ألقيت في مناسبات عديدة لم تطبع.
توفي سنة ١٣٧٠ هـ - ١٩٥١ م، يوم ٣٠ تموز وقد نيَّف على الثمانين، وكان آخر تلاميذ الشيخ محمَّد عبده (٢). وكان يضيف إلى اسمه نسبة "الأزهري" كلما وقع (٣).
* * *
_________
(١) معجم المطبوعات ١٧٠٢، ومعجم المؤلفين ٢/ ٣٥.
(٢) علماؤنا للمحامي كامل الداعوق، ص ٢٠٤ - ٢٠٦.
(٣) مجلة الفكر الِإسلامي - العدد ٨/ ٨ سنة ١٣٩٩ هـ- ١٩٧٩ م، ص ٣١.
1 / 9
صورة خط المؤلف وتوقيعه على غلاف إحدى مخطوطات الفقه الحنبلي
1 / 10
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (١١)
تحذير الجمهور من مفاسد شهادة الزور
تأليف
أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي الأزهري المتوفى (١٣٧٠ هـ - ١٩٥١ م)
اعتنى به
رمزي سعد الدين دمشقية
ساهم بطبعه بعض أهل الخير من الحرمين الشريفين ومحبيهم
دار البشائر الإسلامية
Неизвестная страница
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد وسائر النبيين، وآل كلٍّ وجميع الصالحين.
أمَّا بعد، فقد طلب مني بعض ذَوِي الحميَّة الدينيَّة في مدينة بيروت أنْ أكتُبَ رسالةً في بيان مفاسد شهادة الزور وما يترتب عليها من المضارِّ، وأن أذكُرَ ما ورد من الآيات والأحاديث في هذا الشأن. فأجبتُه لذلك عملًا بواجب النصيحة الدينية، ولما رواه الِإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه (١) عن سيدنا أبي رُقَيَّة تميمِ بن أوسٍ الداريِّ ﵁ أن النبي ﷺ قال: "الدِّينُ النصيحة"، قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فالرجاء فيمن يطَّلع عليها أنْ يتقبَّلها قَبولًا حسنًا، ويتَّخذها وسيلة لتنبيه العامَّة إلى اجتناب تلك البليَّة الطَّامَّة، ويذكِّر بها مَنْ له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.
وقد سمَّيتُ هذه الرسالة "تحذير الجمهور من مفاسد شهادة الزور"،
_________
(١) صحيح مسلم ١/ ٧٤، ح ٥٥.
1 / 13
ورتبتُها على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة. وأسأله تعالى أنْ يجعلها خالصة لوجهه، وأن ينفع بها ويوفِّقنا لما فيه خير الأمة، والعمل لِإحياء السُّنَّة وإماتة البدعة، إنَّه سميع مجيب، وما توفيقي واعتصامي إلاَّ بالله عليه توكَّلْتُ وإليه أُنيب.
* * *
1 / 14
مقَدّمة
اعلم يا أخي هداني الله وإيَّاك إلى طريق الخير والرشاد أنَّ شهادة الزور جريمة عظيمةُ الشر جسيمة الضرر، فكم ضاع بها مِنْ حقٍّ كان ثابتًا، ونشأت عنها مُعضلات ومشكلات تفاقم خَطبُها واشتدَّ كَربُها، وكم هدرت بسببها دماء وغَلَت من أجلها مَرَاجِلَ الشَّحناء والبغضاء، وكثيرًا ما أيقظتْ الفتنة وأعظمت المحنة وفصمتْ عُرى الوحدة، وربما أدَّت إلى تقاطع ذوي الأرحام وتهديد السلام بين الأفراد والأقوام، بل وبدَّلت الأمن خوفًا والوفاق خُلفًا، فكان من وراء ذلك كله شر عظيم وخطر
جسيم.
عرف هذا الأمم السابقة فشدَّدوا في عقوبة مرتكبها وبالغوا في التنكيل به، وحكموا بأنَّه عدو للأمة بتمامها. وقضى عليه بعض الأمم كالرومانيين بالِإعدام، وغَلَوا في شأن التزوير حتى عَدُّوا من المزورين من أخفى وصيَّة المتوفَّى أو أضاعها، بل كل امرئ فعل شيئًا يدلُّ على غِشٍّ أو خراب ذمة. وكانت عقوبتهم للأحرار بالنفي إلى مكان حصين مع مصادرتهم في أموالهم كلها، وعقوبة الرقيق هي الِإعدام (١). ثم ترقَّت
_________
(١) هذه الجملة مأخوذة بمعناها عن رسالة "التزوير في الأوراق" لأحمد فتحي باشا زغلول العصر [م].
1 / 15
مدارك الأمم بعد ذلك فتعدَّلت العقوبات بحسب آثار الجريمة وعظيم خطرها.
جاء الإِسلام -وهو الكافل للسعادة الدنيوية والأخروية والشفاءُ لأمراض الِإنسانية- فعدَّ شهادة الزور من أعظم الكبائر وأشدَّها ضررًا، وحذَّر من مرتكبيها وجعلهم من أكبر المجرمين وأجرًا المفسدين، وعَرَّفهم سُوء منقلبهم وعاقبة بغيهم بما فيه عبرة لكل معتبر كما سيُتلى عليك.
* * *
1 / 16
الفصل الأول فيما جاء من الآيات والأحاديت المتعلقة بشهادة الزور
من المناسب أن نبين معنى الزور في اللغة حتى يكون المطَّلع على بصيرة فيما ينظر فيه، وحتى يُعلمَ أن أصحاب المعجمات اللغوية لم يهملوا تفظيع حال شهادة الزور حتى في كلامهم على المعنى اللغوي.
جاء في "لسان العرب" للِإمام محمَّد ابن منظور الِإفريقي ما نصُّه (١): والزور: الكذب والباطل، وقيل: شهادة الباطل وقول الكذب. إلى أن قال: وفي الحديث: "المتشبِّع (٢) بما لم يُعْطَ كلابِسِ ثَوْبَيْ زور" (٣).
_________
(١) لسان العرب ٤/ ٣٣٦ - ٣٣٧.
(٢) هو الذي يدَّعي بما ليس فيه ويُحبُّ أنْ يُحمدَ بما لم يفعل، وهذا الدَّاء قد فشا بين كثير ممن زين لهم الشيطان أعمالهم، وغَرَّتهم الأماني الباطلة، وقد أخبر الله ﷿ عن هؤلاء بقوله: ﴿لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ١٨٨].
ودواء هؤلاء هو الرجوع إلى الله ومحاسبة النفس، وطرح الغرور والأخذ بالعلم على وجهه الصحيح والتمسك بالعمل الصالح، والنصح والِإخلاص والتقوى في جميع ذلك كله، والله وليُّ المؤمنين. [م].
(٣) رواه البخاري ح ٥٢١٩، ومسلم ٣/ ١٦٨١ ح ٢١٣٠، من حديث أسماء بنت =
1 / 17
الزُّور: الكذب والباطل والتُّهمة، وقد تكرر ذكر شهادة الزور في الحديث، وهي من الكبائر، فمنها قوله ﷺ: "عَدَلَتْ شهادةُ الزور الشركَ باللهِ وإنَّما عادلته لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ ثم
_________
= أبي بكر ﵄، وعند مسلم ح ٢١٢٩ من رواية عائشة ﵂.
وقصة الحديث: أن امرأةً قالت: يا رسول الله إنَّ لي ضَرَّة فهل على جُناح إن تشبَّعتُ من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال رسول الله ﷺ: "المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبَيْ زور".
وقد نقل الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ٩/ ٣١٨ أقوال العلماء في تفسير هذا الحديث، فمما نقله: قال الزمخشري في "الفائق": المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به، واستُعيرَ للتحلي بفضيلة لم يرزقها، وشُبَّه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياءً، وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين، وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر، كما قيل: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا.
فالِإشارة بالِإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه.
وقال الخطابي: الثوب مَثَلٌ، ومعماه أنه صاحب زور وكذب، كما يقال لمن وصف بالبراءة من الأدناس طاهر الثوب والمراد به نفس الرجل.
ونقل الخطابي عن نعيم بن حماد قوله: كان يكون في الحي الرجل له هيئة وشارة، فإذا احتيج إلى شهادة زور لبس ثوبيه وأقبل فشهد فقُبل لنُبل هيئته وحُسن ثوبيه، فيقال: أمضاها بثوبيه يعني الشهادة، فأضيف الزور إليهما، فقيل: كلابس ثوبي زور. وأما حكم التثنية في قوله: "ثوبي زور" فللإِشارة إلى أن كذب المتحلي مثنى؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يُعط،
وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه ويظلم المشهود عليه. اهـ.
1 / 18
قال بعدها: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ [الفرقان: ٧٢] " (١).
وقد جاء لفظ الزُّور في القرآن الكريم في أربعة مواضع، منها موضعان يتعلقان بشهادة الزور:
فالأول: قوله تعالى في سورة الحج: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾ [الحج: ٣٠، ٣١].
وللمفسِّرين في قول الزور في هذه الآية وجوه، منها: أنَّه قولهم هذا حلال وهذا حرام، ومنها: أنَّه شهادة الزور، رفعوا هذا التفسير إلى النبي ﷺ، ومنها: أنَّه الكذب والبهتان.
والثاني: قوله تعالى في سورة الفرقان: (﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (٧٢)﴾ [الفرقان: ٧٢].
قال بعض المفسرين: لا يشهدون شهادة الزور، وقال آخرون: لا يشهدون الشرك، وقال آخرون: هو قول الكذب، وقال بعضهم: هو الغناء.
وقال ابن جرير الطبري (٢): إنَّ أولى الأقوال بالصواب أنْ يُقال: والذين لا يشهدون شيئًا من الباطل لا شركًا ولا غناءً ولا كذبًا ولا غيره وكلّ ما لزمه اسم الزّور؛ لأنَّ الله عمَّ في وصفه إيَّاهم أنهم لا يشهدون
_________
(١) رواه الترمذي ح ٢٢٩٩، والِإمام أحمد ٤/ ١٧٨ من حديث أيمن بن خُريم.
ورواه الترمذي أيضًا ح ٢٣٠٥، وأبو داود ح ٣٥٩٩، وابن ماجه ح ٢٣٧٢، وأحمد ٤/ ٣٢١ من حديث خُريم بن فاتك الأسدي، بألفاظ متقاربة.
(٢) جامع البيان ١٩/ ٤٩.
1 / 19
الزور، فلا ينبغي أن يُخصّ من ذلك شيء إلاَّ بحجَّة يجب التسليم لها من خبر أو عقل.
وأما الأحاديث:
فقد روى البخاري ومسلم والِإمام أحمد (١) عن سيدنا أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ قال: ذكر رسول الله ﷺ الكبائر أو سُئل عن الكبائر فقال: "الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين"، وقال: "ألا أُنبِّئكم بأكبر الكبائر: قول الزور"، أو قال: "شهادة الزور".
وعن أبي بَكْرَة نُفَيْع بن الحارث (٢)، قال: قال رسول الله ﷺ: "أَلا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ "، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: "الِإشراك بالله؟ وعقوق الوالدين"، وكان متكئًا فجلس (٣) وقال: "ألاَ وقول الزور وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليتهُ سَكَتَ (٤).
_________
(١) البخاري ح ٢٦٥٣، ومسلم ١/ ٩٢، ومسند أحمد ٣/ ١٣١.
(٢) رواه البخاري ح ٢٦٥٤، ومسلم ١/ ٩١ ح ٨٧، ومسند أحمد ٥/ ٣٦.
(٣) هذا يُشْعِر باهتمامه ﷺ بذلك حتى جلس بعد أنْ كان متكئًا، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظيم قُبحه. وسبب الاهتمام بشهادة الزور كونها أسهل وقوعًا على الناس والتهاون بها أكثر، فإنَّ الِإشراك ينبو عنه قلب المسلم، والعقوق يَصرِف عنه الطبع، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما، فاحتيج إلى الاهتمام به. وليس ذلك لِعِظَمه بالنسبة إلى ما ذُكر معه من الِإشراك قطعًا، بل لكون مفسدته إلى الغير، بخلاف الِإشراك فإنَّ مفسدته مقصورة عليه غالبًا. اهـ. من نيل الأوطار للِإمام الشوكاني. [م].
(٤) قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٥/ ٢٦٣ في تعليقه على هذه الكلمة: أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه ﷺ والمحبة له والشفقة عليه. اهـ.
1 / 20
وروى الِإمام ابن ماجه (١) عن سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "لَن تَزُولَ قَدَما شاهدِ الزور حتى يُوجب الله له النار". وفي هذا الحديث وعيدٌ شديدٌ لشاهدِ الزور حيث أوجب الله له النار قبل أن ينتقل من مكانه، ولعل ذلك مع عدم التوبة، أما لو تاب وأكذب نفسه قبل العمل بشهادته فالله يقبل التوبة عن عباده.
وروى الحاكم والديلمي (٢) عن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أَلاَ من زيَّن نفسه للقُضاة بشهادة الزور زيَّنه الله تعالى يوم القيامة بسِرْبال (٣) من قَطِرَان وأَلْجمه بلجام من نار".
وروى الِإمام أحمد في مسنده وابن أبي الدنيا (٤) عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: "مَنْ شهدَ على مسلم شهادةً ليس لها بأهل فليتبوَّأ مقعده من النار".
وروى أبو سعيد النقَّاش في "كتاب القضاة" (٥) عن عبد الله بن جَرَاد: عن النبي ﷺ: "مَنْ شهدَ شهادة زور فعليه لعنةُ الله، ومَنْ حَكَمَ بين اثنين فلم يَعدِل بينهما فعليه لعنةُ الله".
_________
(١) ح ٢٣٧٣، وفي الزوائد: في إسناده محمَّد بن الفرات متفق على ضعفه، وكذبه الِإمام أحمد.
(٢) لم أجده عند الحاكم في المستدرك ولا في مسند الفردوس للديلمي، وعزاه في كنز العمال للحافظ ابن عساكر في التاريخ عن إبراهيم بن هدبة عن أنس، ح ١٧٧٦٠.
(٣) السربال: القميص.
(٤) المسند ٢/ ٥٠٩، وقال الهيثمي في المجمع ٤/ ٢٠٠: تابعيَّة لم بسم وبقية رجاله ثقات، وابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة والنميمة ح ١٢٢.
(٥) هكذا أورده المتقي الهدي في كنز العمال ح ١٧٧٦٢، وعزاه للنقاش.
1 / 21