Предупреждение людям веры о правлении не по тому, что ниспослано Всемилостивым
تحذير أهل الأيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن
Издатель
الجامعة الإسلامية
Номер издания
الثالثة
Год публикации
١٤٠٧هـ
Место издания
المدينة المنورة
Жанры
تحذير أهل الإيمان عن حكم بغير ما أنزل الرحمن
تأليف: أبي هبة الله إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسني الأسعردي الأزهري السلفي
مقدمة
الحمد لله الذي بفضله أكمل لنا الدين، وأتم علينا برحمته النعمة ببعثة النبي الأمين الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه أولى النهى وأقمار الدجى، ومن سار على نهجه واقتفى أثره.
وبعد فقد وقعت بيدي هذه الرسالة المباركة العظيمة النفع في بابها، ورغم أنها صغيرة الحجم فهي فريدة غالية تشع بنور الإيمان والحكمة، لأن أدلتها من الكتاب والسنة، فساهمت في نشرها رجاء أن ينفع الله بها في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل، وانتشرت فيه الفوضى والعبث في كثير من الأقطار، وأصبح الناهي لهم عن الوقوع في متاهات الضلالة، كمن ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، فهم صم عن سماع داعي الهدى، عمي عن السير وراء من. يحمل مشعل النور. ويهرعون كالخفاش وراء داعي الردى، قد استولى عليهم الشيطان الغرور، وزين لهم عملهم الذي سيجنون من ورائه الويل والخيبة والثبور، قد هجروا القرآن ودراسته، فحرموا الأمن والاستقرار، وحصلوا على الخيبة والدمار، ويوم القيامة سيعضون على أيديهم حيث جانبوا سبيل الرشاد واقتفوا سبل دعاة الباطل الكفرة وأذنابهم في تعلمهم
1 / 7
وثقافتهم دعاة الفساد، فيا ويلهم ثم ويلهم حين السؤال، من الملك. الكبير المتعال، ويا خيبتهم حين الورود على الحوض فيذدادون عنه كما تذداد الضوال، وما ذاك إلا لميلهم عن الحق، وتضليلهم لغيرهم من الخلق. فهل من يسمع لدعوة هذا المؤلف الذي أبدى نصحه. وبذل وسعه، بأسلوب الداعي الحكيم والمزلي الرحيم.
وهل يهب زعيم مخلص لله ناصح ملالة فيقودها إلى ساحات النجاة قبل الفوات: هذا ما نرجوه من الرب العظيم. وعليه المعول، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الناشر علي الحمد الصالحي
1 / 8
تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن
بسم الله الرحمن االرحيم
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق المبين، والحبل المديد المتين، الذي من اعتصم به فقد تمسك بالعروة الوثقى. وكان من الناجين، ومن أعرض عنه ولم يرفع له رأسا فقد خاب وخسر ذلك الأبعد الأشقى. وكان من النادمين الندامة الكبرى. الداعين على أنفسهم بالويل والثبور حيث لا ينفع ندم ولا أنين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي جاءنا من ربه بتلك الشريعة الوافية. الكافية الشافية. الناجعة النافعة، الجامعة المانعة. المغنية الغنى التام عن جميع الشرائع والقوانين، وعلى آله وأصحابه. وأحبابه وأحزابه. الذين جاهدوا والذين يجاهدون في نصر دين الله. وإعلاء كلمة الله. جميع المعارضين والمضادين، من المشركين والمارقين المنافقين المعاندين المعادين، المحادين المشاقين، لله ولرسوله الصادق المصدوق الأمين.
بيان أعظم أسباب التأخر والتقهقر:
أما بعد فأني أرى أن الجهل قد عم الحاضر والبادي، وخيم بأطنابه على القاصي والداني، وعلم الكتاب والسنة. الذي هو من كل شر جنة. مع أنه المنار الذي يهتدي به المجدون ويسترشد به المسترشدون. ومن لا نصيب له وافر منه فهو راكب متن عمياء، وخابط خبط عشواء. وهو إلى الضلال أقرب منه إلى الهدى، وإلى الردى، أقرب منه إلى السلامة والنجاة، قد خبت ناره. وولت الأدبار أنصاره ورأوا شيئا هينا أو فريا. واتخذوه وراءهم ظهريا.
1 / 9
قد أهملوه وضيعوه وهجروه هجر القلى وقطعوه وأولعوا بعلوم لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تنقع للظمآن لهاة واكبوا عليها إكباب المقامر على ملهاه. ووقفوا أعمارهم العزيزة على نحو كتب الفلاسفة وكتب القيل والقال. وفضول العلوم التي لا تأتي بطائل ونوال. لا في دين ولا في دنيا أصلا وقطعا. وهم مع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فهم ولا شك من الأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، فلذلك أظلمت منهم القلوب والبصائر. وعميت منهم السرائر. فلا يتنبهون للخطوب التي تحل بهم وإن تنبهوا فقلما تجد فيهم من يفدى نفسه في سبيل دفع ذلك الملم المدلهم. فكل يقول أنا مالي. حسبي مراقبة حالي والدين له رب يحميه. يحوطه ويعليه. وهذه كلمة حق أريد بها باطل أفما قرأ عمره القرآن هذا القائل. فيرى أمر ربه بالدفاع عن دينه وشرعته، وبذل الجهد المستطاع في إعلاء كلمته. نعم قال عبد المطلب البيت له رب يحميه. لما لم يجد عنده من الأسباب الظاهرة ما يقاوم به أبرهة والفيلة ويكفيه. فالتجأ في المعنى إلى ربه. واظهر له عجزه عن ذبه، حتى كان ما كان. أما والإنسان يتمكن من نصر الحق أدنى تمكن ولو بالبيان بالقلم أو اللسان. فلا يسوغ له التأخر عن ذلك كيفما كان. لماذا إذا اهتضم في شيء من حقوقه يسعى أقصى جهده ويبذل غاية وسعه في الحصول على مطلوبه. ويدأب الليل والنهار ويتوسل بكل الوسائل حتى البعيدة المتوهمة للوصول إلى مرغوبه. ما ذاك إلا لنقص وضعف في الإيمان. وانحطاط في الهداية والعرفان. فلا يتألم أدنى تألم إذا أصيب بأكبر شيء في دين الله. ويتألم أشد التألم إذا أصيب بأحقر شيء في دنياه. فهؤلاء هم كما قال القائل لابنه كما أنشده في المدخل:
1 / 10
ابني إن من الرجال بهيمة ... في صورة الرجال السميع المبصر
فطن بكل مصيبة في ماله ... فإذا أصيب بدينه لم يشعر
هذا حال أغلب خواصنا إلا القليل الذي وفقه الله وقليل ما هم. فما بالك بعوامنا فغم كما قال القائل:
لم يبق من جل هذا الناس باقية ... ينالها الوهم إلا هذه الصور
وكما قال الثاني:
واعلم بأن عصبة الجهال ... بهائم في صور الرجال
وكما قال الثالث:
لاتخدعنك اللحى ولا الصور ... تسعة أعشار من ترق بقر
تراهم كالسحاب منتشرا ... وليس فيه لطالب مطر
في شجر السرو منهم منتشرا ... شبه له رواء وما له ثمر
وكما قال الرابع:
لا بأس بالقوم من طول ومن غلظ ... جسم البغال وأحلام العصافير
وأحسن من هذا كله قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ﴾ فلذلك ترى غالب الناس اليوم إلى أوضاع القوانين البشرية الشيطانية أميل وأطوع منهم إلى أوضاع القانون الإلهي. والوحي السماوي. وترى المتشدقين المتحذلقين الذين يزعمون أنهم يريدون ترقية الأمة ولم شعثها. وضم شملها، بأفكارهم الفاسدة، وآرائهم الكاسدة، وسياساتهم المخالفة المنابذة لسياسات الشريعة الحقة الصادقة. لا يقومون مقاما ولا يجلسون مجلسا إلا حثوا فيه الناس أتباع
1 / 11
كل صادق وناعق الذين يميلون مع كل ريح ولم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق على ما يتمكنون به من مقتضيات أهوائهم النفسانية ومشتهيات أطباعهم البهيمية الشيطانية. من قوانين أهل الكفر والصليب والتشبه بهم في الأفعال والأقوال، فترى لذلك قلوب الناس من قريب وبعيد وحاضر وباد إلا من عصمه الله من الأفراد متمالئة على قبولها غير مكترثين بالقانون الذي نزل من عند الله. وبينه لنا رسول الله المعصوم الصادق المصدوق الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ﷺ حتى جعلوا التحاكم إليها والتعويل في الأحكام عليها لو جعلوا لهم محاكم سموها بأسماء ليست من حقيقتها في شيء بل هي معها على طرفي نقيض. فسموا شرعية، وعدلية، وحقوقية وغير ذلك من الأسماء التي لا حقيقة لها بل هي الغول أو العنقاء، فالشرعية في الحقيقة هي الخدعية. والعدلية هي العدلية لكن عن نهج الشريعة المحمدية، والحقوقية هي الحقوقية لكن بمعنى كونها محل ضياع الحقوق الخالقية والمخلوقية. قد نسوا القرآن وأطرحوه خلف ظهورهم بالكلية، واعتاضوا عنه بقوانين الكفار وآراء ابتدعوها تقولا على الشريعة الغراء الأحمدية، ولم يرضوا بحكم الله ورسوله فيهم ورضوا بأحكام الكفار وآرائهم. فتعسا لها من عقول، لا تشترى ولا بالبقول، وهم مع هذا يزعمون أنهم من العقل على جانب عظيم، لا يلحقهم فيه الحديث ولا القديم، وليت شعري أي عقل يكون لمن لا يرضى بحكم أحكيم الحاكمين وأعلم العالمين وأعدل العادلين ويرضى بحكم الجاهلين وأظلم الظالمين.
وما أرى مثل هؤلاء القوم من ذوى الأبصار المطموسة والبصائر
1 / 12
المعكوسة، إلا مثل الجعل يتأذى من رائحة المسك والورد الفواح ويحيا بالعذرة والغائط في المستراح فسحقا لأمثال هده العقول سحقا ومحقا لهن اللهم محقا. فلما تمادى بنا ذلك الحال، ومرت به علينا سنون وأحوال، حتى فتح الله تعالى لعباده باب حرية المقال، بعد ما قد كانوا ألجمهم الاستبداد المفرط بلجوم السكوت على مر الأحوال، وألقمهم حجر الصمت على ما هو أعيا من الداء العضال، غير أنه وقع الناس في اضطراب وارتباك وجدال وتفرق الناس فرقا مختلفة المسالك والمذاهب. وتحزبوا أحزابا غير مؤتلفة المشارب، وكان من تلك الفرق جمعية الاتحاد المحمدي المتجمعة لطلب العمل بالشرع الأحمدي، قوى الله عضدها، وأيد ساعدها، وأخذ بأيديها، وبدد شمل أعاديها، ألهمني الله تعالى أن أكتب نبذة شافية صدور الذين أوتوا العلم والذين يريدون أنهم بهدى ربهم يهتدون، على شريطة الاختصار في المقال حذرا من السآمة والملال وأبين اضطرار الناس إلى الشريعة جدا، وأجمع بعض الآيات الدالة على أغناء القرآن بالسنة النبوية المبينة عن جميع الشرائع السابقة والقوانين البشرية الشيطانية اللاحقة، ليكونوا على بصيرة من أمرهم، ويحذروا من كيد عدوهم ومكرهم.
[فأقول] وأنا أبرأ إلى الله من القوة والحول. وأستغفره من زلل العقل والقوة. معلوم لكل من عنده أدنى مسكة من عقل أن الله ﷾ لم يخلق هذا الخلق عبثا كما قال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ .
وكما قال: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدى﴾ أي مهملا هملا لا يؤمر ولا ينهى كما قال الشافعي- أو لا يثاب ولا يعاقب كما قال غيره
1 / 13
والقولان معناهما واحد لأن الثواب والعقاب غاية الأمر والنهي فهو سبحانه خلقهم للأمر والنهي في الدنيا والثواب والعقاب في الآخرة- وكما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ولا فرق بين بلاد إبقاء العبادة على ظاهر معناها أو تفسيرها بالمعرفة كما يروى عن ابن عباس ﵄، فإنهما متلازمان، فالمعرفة لا تكون بدون عبادة والعبادة لا تكون بدون معرفة، وأما ما يستدل به بعض من لا إلمام له بعلم الحديث مما يروى عن الله ﵎ أنه قال "كنت كنز لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت خلقا فعرفتهم بي فعرفوني" فقد قال حفاظ الحديث ونقاده. أنه لا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف.
إذا تمهد هذا فنقول ليعلم أن حاجة الناس إلى الشريعة ضرورية جدا فوق حاجتهم إلى كل شيء ولا نسبة لحاجتهم إلى علم الطب إليها. ألا ترى أن أكثر العالم يعيشون بغير طبيب ولا يكون الطبيب في بعض المدن الجامعة وأما أهل البدو كلهم وأهل الكفور كلهم وعامة بني آدم فلا يحتاجون إلى طبيب وهم أصح أبدانا وأقوى طبيعة ممن هو متقيد بالطبيب ولعل أعذرهم متقاربة وقد فطر الله بني آدم على تناول ما ينفعهم واجتناب ما يضرهم وجعل لكل قوم عادة وعرفا في استخراج ما يهجم عليهم من الأدواء حتى أن كثيرا من أصول الطب إنما أخذت من عوائد الناس وعرفهم وتجاربهم.
وأما الشريعة فمبناها على تعريف مواقع رضى الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية. فمبناها على الوحي المحض. بخلاف الطب فمبناه على تعريف المنافع والمضار التي للبدن وعليه. مما قد لا تمس الحاجة إليه، وغاية ما يقدر في عدمه موت البدن وتعطل الروح عنه.
1 / 14
وأما ما يقدر عند عدم الشريعة ففساد الروح والقلب جملة وهلاك الأبد
وشتان بين هذا وهلاك البدن بالموت فليس الناس قط إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول ﷺ والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه وليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلا بالعبور إلى هذا الجسر.
ثم لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرق بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق كائنا من كان الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر، وبين الشرع الذي هو أقوال أئمة الفقه وآراؤهم التي أدى اجتهادهم ووصلت إليها أفهامهم كأبي حنيفة ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وغلاتهم من الأئمة المجتهدين، ﵃ أجمعين.
فهؤلاء أقولهم تعرض على الكتاب والسنة ويحتج لها بهما لما هو معلوم من حديث الحاكم والثابت أن طرق في الصحيح أن المجتهد يصيب ويخطئ فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر على اجتهاده والله يغفر له خطأه لكنه لا يتابع عليه. فما وافقهما أو كان أشبه بهما فهو الصواب وما خالفهما فهو خطأ لا يجوز لمن تبينه واطلع عليه متابعة من ذهب إليه. وإذا قلد المقلد أحدهم حيث يجوز له التقليد كان جائزا وليس إتباع أحدهم بعينه واجبا على جميع الأمة كإتباع الرسول ﷺ. ولا يحرم تقليد أحدهم كما يحرم يحرم إتباع من يتكلم بغير علم.
1 / 15
وأما إن أضاف أحد إلى الشريعة ما ليس منها من أحاديث مفتراة أو تأويل النصوص بخلاف مراد الله ونحو ذلك فهذا من نوع التبديل فيجب الفرق بين الشرع المنزل، والشرع المؤول والشرع المبدل. ولأتحفك هنا بقاعدة عظيمة. وفائدة جسيمة. تتعرف فيها حال
كل قول يرد عليك ينسب إلى الشرع.
وهي أنه إما أن يكون هذا القول موافقا لقول الرسول أولا يكون.
والثاني إما أن يكون موافقا لشرع من قبله وإما أن لا يكون.
وهذا الثالث إن كان لا عن شبه دليل بل محض إتباع الهوى فهو المبدل كالأديان التي شرعها الشياطين على ألسنة أوليائهم.
قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُم لَمُشْرِكُونَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾
وإن كان عن شبه دليل فهو المؤول وفي هذا كان الصحابة ﵃ إذا قال أحدهم برأيه شيئا مما لم يجد فيه نص كتاب أو سنة عن النبي واضطر لمعرفة الحكم الذي يرضاه الله ورسوله يقول: "إن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله برئ منه" كما قال ذلك ابن مسعود، وروى عن أبي بكر وعمر.
1 / 16
وما كان شرعا لغيره وهو لا يوافق شرعه فقد نسخ كالسبت، وتحريم كل ذي ظفر وشحم الثرب١ والكليتين، فإن اتخاذ السبت عيدا، وتحريم هذه الطيبات قد كان شرعا ثم نسخ.
فالأقسام ثلاثة إجمالا، وأربعة تفصيلا فاحتفظ كل الاحتفاظ على هذه القاعدة تنفعك.
ثم دين الأنبياء كلهم الإسلام كما أخبر الله بذلك عنهم في غير موضع من القرآن- وكما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "إنا معشر الأنبياء ديننا واحد" وهو الاستسلام لله وحده وذلك إنما يكون بطاعته فيما أمر به في ذلك الوقت فطاعة كل نبي هي من دين الإسلام إذ ذاك، فاستقبال صخرة بيت المقدس مثلا كان من دين الإسلام قبل النسخ، ثم لما أمر باستقبال الكعبة صار استقبالها من دين الإسلام ولم يبق استقبال الصخرة من دين الإسلام ولهذا خرج اليهود والنصارى عن دين الإسلام. فإنهم تركوا طاعة الله وتصديق رسوله واعتاضوا عن ذلك بمبدل أو منسوخ!.
وبالجملة فدين الإسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ عام في كل زمان ومكان.
_________
١ الثرب وزن فلس شحم رقيق على الكرش والأمعاء اهـ
1 / 17
فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون كلهم دينهم الإسلام وهو عبادة الله وحده لا شريك له والاستسلام له ظاهرا وباطنا، وعدم الاستسلام لغيره كما قد بين ذلك عنهم القرآن فدينهم كلهم واحد وان تنوعت شرائعهم كما قال الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ .
وقال لنبيه ﷺ: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾
والله ﵎ قد بعث محمدا ﷺ بشرائع الإسلام الظاهرة وحقائق الإيمان الباطنة.
ففي مسند أحمد عن أنس عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال: "الإسلام علانية والإيمان في القلب".
وفي البخاري أن جبريل أتى النبي ﷺ فسأله عن الإيمان والإسلام، والإحسان، فمن لم يقم بشرائع الإسلام الظاهرة امتنع أن يحصل له حقائق الإيمان الباطنة- ومن حصلت له حقائق الإيمان الباطنة فلابد أن يحصل له حقائق شرائع الإسلام الظاهرة، فإن القلب ملك والأعضاء جنوده، فمتى استقام الملك وصلح استقامت جنوده وصلحت كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب".
فإذا كان في القلب حقائق الإيمان الباطنة فقد صلح فلابد أن
1 / 18
يكون سائر جسده صالحا فإن لم يكن جسده صالحا امتنع أن يكون في باطنه حقائق الإيمان كإخلاص الدين لله وحبه وخشيته والتوكل علبه والإنابة إليه.
وأصل الإيمان والتقوى، الإيمان برسل الله، وجماع ذلك الإيمان بخاتم الرسل سيدنا محمد ﷺ فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله.
وأصل الكفر والنفاق، هو الكفر بالرسل وبما جاءوا به فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب الأكبر في الآخرة. فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾
وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل﴾
وقال تعالى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى
1 / 19
عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾
وقال تعالى في أهل النار: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ﴾ .
وقال تعالى فيهم: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ﴾ .
فأخبر أنه كلما ألقى في النار فوج وسئلوا عن النذير أقروا بأنه جاءهم فكذبوه، فدل ذلك على أنه لا يلقى فيها إلا. من كذب النذير.
وقال تعالى في خطابه لإبليس: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾
فأخبر أنه يملؤها بإبليس ومن تبعه فإذا ملئت بهم لم يدخلها غيرهم، فعلم أنه لا يدخل النار إلا من تبع الشيطان، وهذا يدل على أنه لا يدخلها من لا ذنب له فإن من لا يتبع الشيطان لا يكون مذنبا وما تقدم يدل على أنه لا يدخلها إلا من قامت عليه الحجة بالرسل، وهذا المعنى في القرآن كثير.
وإذا أحطت علما بهذه المقدمات التي مهدناها لك علمت علم اليقين أن الاعتياض عن القانون السماوي الذي جاء به الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه وآله بالقانون الأرضي الإنساني الشيطاني الذي لا يخلو مهما توافقت عليه الآراء. وتطابقت عليه الأملا.
1 / 20
من غلط وخطأ لاسيما إذا كان ممن لا علم عندهم بمعاني كتاب الله وسنة نبيه الداعي على بصيرة إلى الله بل غاية أحدهم أن يكون قد تعلم بعض العلوم الآلية. وفضول العلوم التي قد لا يحتاج إليها في الدين بالكلية. هو من أعظم أسباب المقت والحرمان. وأكبر موجبات العقوبة والخذلان. كيف لا وهو اتخاذ لدين الله هزوا ولهوا ولعبا وتبديل لنعمة الله بالنقمة، وللشكران بالكفران، وشرع دين لم يأذن به الله وإتباع لغير سبيل المؤمنين ومشاقة ومحادة ومحاربة وخيانة لله ولرسوله. وعشو عن ذكر الرحمن وإعراض عنه. إلى غير ذلك من المفاسد والمحاذير التي لا تدخل تحت الحساب ولا تضبطها أقلام الكتاب.
قال الله تعالى: ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾
وقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ﴾
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيم﴾
1 / 21
وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾
فإذا كان هذا حكم الباغين المحاربين الخارجين عن طاعة الإمام الذين شقوا عصا الجماعة، فما بالك بمن دعا الناس كافة عربا وعجما مؤمنهم وكافرهم إلى قانون اخترعه هو أو غيره من جنس الخيالات الباطلة فخرج هو وأخرج به عن طاعة الله وطاعة رسوله وحاربهما وحادهما وشاقهما بمخالفة أمرهما أليس هو أولى بذلك؟. بلى وربك فإنه رأس الفساد وأم الشرور والخبائث وما يعقله إلا العالمون.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين وأضله به إنما كان بسبب إعراضه وعشوه عن ذلك الذي أنزله على رسوله فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيض له شيطانا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه وهو يحسب أنه مهتد حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه وإفلاسه قال: ﴿قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾
وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أن يقول هذا يوم القيامة.
1 / 22
(فإن قيل): فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما
قال تعالى: ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
(قيل): لا عذر لهذا وأمثاله من الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول ﷺ، ولو ظن أنه مهتد فإنه مفرط بإعراضه عن إتباع داعي الهدى، فإذا ضل أوتى من تفريطه وإعراضه.
وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها فذاك له حكم آخر والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول المعرض. وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه كما قدمنا.
وقال تعالى: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي﴾ أي لم يتبع الذكر الذي أنزلته وهو القرآن.
وليس المعنى ومن أعرض عن أن يذكرني بل هذا لازم المعنى فالذكر هنا مضاف إضافة الأسماء لا إضافة المصادر إلى معمولاتها ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ . فأخبر سبحانه أن من أعرض عن ذكره وهوالهدى الذي من اتبعه
1 / 23
لا يضل ولا يشقى، فإن له معيشة ضنكا عكس من حفظ عهده فإنه قد تكفل له أن يحييه حياة طيبة ويجزيه أجره في الآخرة بقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾،
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ .
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾،
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾،
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾،
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا﴾ .
قال أهل التحقيق من أهل التفسير: "الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله".
قال المحقق ابن القيم في كتابه "أعلام الموقعين عن رب العالمين " بعد هذه العبارة: "فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم منحرف عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن طاعة الله ومتابعة رسوله إلى طاعة الطاغوت ومتابعة هؤلاء، انحراف
1 / 24
لأنهم لم يسلكوا طريق الناجين الفائزين من هذه الأمة وهم الصحابة ومن تبعهم ولا قصدوا قصدهم بل خالفوهم في الطريق والقصد معا".
ولقد صدق والله فيما نطق، هذا حال جلنا إن لم يكن كلنا فلا حول ولا قوة إلا بالله وإلى الله المشتكى من فساد قلوبنا ونياتنا وأحوالنا وأخلاقنا فقد بلغ الفساد بنا مبلغا لا يمكن أن ينهض بنا ناهض لشيء من معالي الأمور إلا من ساعدته يد التوفيق وما أقلهم بل هم أعزمن الكبريت الأحمر.
ثم لو لم يكن في القرآن المجيد في الزجر عن اتباع القوانين البشرية غير هذه الآية الكريمة لكفت العاقل اللبيب الذي أوتي رشده وأهمه صلاح قلبه عن تطلب غيرها، فكيف والقرآن كله يدعو إلى تحكيم ما أنزل الله وعدم تحكيم ما عداه، إما تصريحا وإما تلويحا وله جاهد من جاهد ويجاهد من يجاهد من عباد الله المتقين من لدن بعث سيدنا محمد ﷺ إلى يوم تقوم الساعة وقد صح عنه ﵌ أنه قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا خلاف من خالفهم حتى يأتي أمرالله" - وأنه قال: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".
فعلمنا بذلك أن من الممتنع بالسمع أن يتمالأ العالم كلهم شرقا وغربا من أمة سيدنا محمد ﷺ على اتباع القوانين البشرية وعدم المبالاة بالقانون الإلهي بل لابد أن يكون فيهم ولو واحد ينكر على هؤلاء الكل إما بلسانه إن أمكنه ذلك ولم يفتكوا به وإما بقلبه إن لم يمكنه وظن الفتك به كما قد كان أيام الاستبداد.
والغرض بيان أن طائفة الحق لا تزال تقاتل وتجاهد على تحكيم
1 / 25
ما أنزل الله باللسان. والبيان. والبدن والسنان والمال وكل ممكن لنوع الإنسان وأن به يتم نظام العدل، والملك، والدين والدنيا وبه يستقيم أمر المعاش والمعاد وتكمل لهم الراحة والأمن والحرية التامة، والسياسة العامة لجميع الملل والرعايا المختلفة الأصناف والألسنة والأمزجة. ومن شك في هذا فلينظر الفرق بين حال الإسلام في هذه القرون المتأخرة التي عطلت فيها حدود الشريعة وأحكامه وحاله في القرون المتقدمة التي ما كانت على شيء أحفظ منها على أحكام الشريعة وأرعى لها، يجد الفرق كما بين الثرى والثريا، وكما بين الأرض والسماء، وكما قال الشاعر:
نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... ونزلت بالبيداء أبعد منزل
ألا ترى أن الصحابة ﵃ بعد وفاة نبيهم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فتحوا ما فتحوا من الأقاليم والبلدان. ونشروا الإسلام والإيمان والقرآن. في مدة نحو مائة سنة مع قلة عدد المسلمين وعددهم. وضيق ذات يدهم.
ونحن مع كثرة عَددنا، ووفرة عُددنا. وهائل ثروتنا وطائل قوتنا لا نزداد إلا ضعفا وتقهقرا إلى وراء وذلا وحقارة في عيون الأعداء، وذلك لأن من لا ينصر دين الله لا ينصره.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾،
فرتب نصره على نصره بإقامة طاعته وطاعة رسوله ففُهم أنه لا ينصر من لا ينصره، وهو كذلك، كما جرت به عادته وسنته في عباده، والمفهوم المخالف وإن كان في حجيته خلاف مبين في أصول الفقه ليس هذا موضع بسطه، فهذا المفهوم لا خلاف لا صحته واعتماده لاعتضاده
1 / 26