Наследники забытых королевств: гибнущие религии Ближнего Востока
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Жанры
إن الإعجاب بالفراعنة ظاهرة حديثة بين كل من الأقباط والمسلمين. ففي القرآن، يحتل الفرعون الذي اشتهر برفضه السماح لموسى واليهود بمغادرة مصر موضعا بارزا. وقد وصف بأنه «من المفسدين»، إذ نصب نفسه إلها، ومجد نفسه، واحتقر الفقراء. ولذلك، على عكس «الصابئة» في حران، كان الفراعنة دائما يعرفون بأنهم وثنيون وكان ينظر إلى مواقعهم الدينية بعين الريبة. ويقال إن أحد الحكام المسلمين الأوائل أراد هدم الأهرامات. ووفقا لمؤرخ القرون الوسطى المقريزي، نجح صوفي من القرن الرابع عشر في تحطيم أنف أبي الهول، ويبدو أنه كان غاضبا من حقيقة أن الفلاحين المحليين كانوا يقدمون القرابين له بوصفه إلها (إشارة نادرة إلى احتمالية أن الآلهة القديمة كانت لا تزال تعبد، سرا). ولم يكن الشخص العادي الذي يعيش في مصر يرى بالضرورة أن «المصرية» هوية. وذكر ويليام براون، وهو زائر بريطاني للقاهرة في القرن الثامن عشر، أن التجار المحليين كانوا يشيرون إلى أنفسهم ببساطة على أنهم عرب. وأصبح في هذه المرحلة مصطلح «الأقباط»، الذي كان يستخدم في الأصل لوصف المصريين الأصليين، مستخدما لوصف المسيحيين فقط.
لكن خلال القرن التاسع عشر، بدأ هذا التوجه يتغير. وكان الحافز وراء ذلك سلسلة من الاكتشافات، التي جرت في البداية على يد علماء آثار غربيين، وكشفت عن المهارات والإنجازات الفنية للمصريين القدماء. واكتشف علماء الآثار معبد أبي سمبل، الذي تحرسه تماثيل بارتفاع خمس وستين قدما للفرعون رمسيس الثاني، في عام 1813. وفي عام 1817، عثروا على مقبرة سيتي في وادي الملوك، بما في ذلك فرش الرسامين التي كانت لا تزال على الأرض تحت الصور اللامعة باللونين الأزرق والذهبي التي تظهر مسيرة روح الفرعون في الحياة الأخرى. أسهمت هذه الاكتشافات وغيرها في ظهور ظاهرة «الهوس بالحضارة المصرية» في أوروبا وأمريكا؛ التي تتمثل في حماس لمحاكاة العمارة المصرية القديمة.
تزامن ذلك مع حدوث تحولات ثقافية وسياسية داخل مصر ذاتها. ففي القرن التاسع عشر، على الرغم من كون مصر والسودان ولايتين تابعتين رسميا لإمبراطورية السلطان العثماني في إسطنبول، كانت تحكمهما في واقع الأمر بوصفهما كيانا منفصلا أسرة محمد علي؛ التي سميت على اسم مؤسسها، وهو مغامر ألباني ناجح، أسس قاعدة سلطته من خلال دعوة خصومه إلى مأدبة ثم ذبحهم جميعا عندما هموا بالرحيل إلى منازلهم. وعلى الرغم من هذه البداية الدموية، شكلت الأسرة الحاكمة قوة للإصلاح والتحديث في مصر.
وكان إسماعيل، العضو الثالث في الأسرة الحاكمة، الذي حكم من عام 1863 إلى عام 1879، طموحا بشكل خاص. فقد حد من تجارة الرقيق، وبنى أكبر سكة حديدية في أفريقيا، وبدأ حفر قناة السويس. كما افتتح أول متحف مصري عام 1863، قبل ذلك المتحف الكائن في ميدان التحرير. وصمم هذا المتحف على الطراز الفرعوني. ولطمأنة المسلمين المتدينين الذين ترددوا في محاكاة الفراعنة المشركين، أكد عالم ديني يدعى طهطاوي أن الفراعنة كانوا في الواقع «صابئة» يعبدون إلها واحدا في صور مختلفة. وفي عام 1864 كتب واحد من تلاميذ طهطاوي، واسمه أبو السعود، تأريخا لمصر القديمة داعيا سكانها المعاصرين إلى تقليد أسلافهم «في العمل معا بوصفهم مصريين حقيقيين وطنيين، من أجل نهضة مصر.» واعتبارا من عام 1867، ظهرت الأهرامات على طوابع البريد المصرية.
لم تكن هذه مجرد حركة عاطفية للحنين إلى الماضي. بل كانت لها صلة بمكانة مصر في العالم. فبفضل أمجاد تاريخ مصر، تمكن إسماعيل من مواجهة الحكام الأوروبيين بثقة. كما أن تلك الأمجاد شكلت أساسا لرؤية مصر ليس باعتبارها ولاية تابعة للإمبراطورية العثمانية وإنما بوصفها دولة مستقلة كما أراد لها إسماعيل. وأثر هذا التركيز على هوية مصر المستقلة على موقف إسماعيل تجاه الدين أيضا. فقد وبخ وزيرا مسلما تحدث عن موظف حكومي بازدراء قائلا «هذا المسئول القبطي»، والتفت إلى الشخص المتكلم وقال: «الجميع مصريون على حد سواء.» كان هذا التأكيد على المساواة بين المسيحيين والمسلمين (بالإضافة إلى الهوية الوطنية الموحدة) مهما؛ فلم يعف المسيحيون من دفع الجزية المفروضة عليهم بصفتهم غير مسلمين إلا عام 1855. ومنح إسماعيل أراضي للمدارس القبطية، وجعل الأقباط يشاركون في برلمان أولي أنشأه، وأطلق عليه اسم مجلس شورى النواب؛ وعين قبطيا رئيسا للصحافة الرسمية للحكومة وآخر رئيسا لوزارة المالية. في نهاية مدة حكمه عين نوبار باشا، المسيحي الأرمني، رئيسا للوزراء. واستفاد أيضا اليهود الموجودون في البلاد من مناخ الانفتاح الديني الجديد؛ حيث شجع إسماعيل الكاتب المسرحي المصري اليهودي يعقوب صنوع بالإشادة به ووصفه بأنه «موليير مصر». وسار التحرر الديني جنبا إلى جنب مع الاحتفال بالتراث المصري القديم ومشروع بناء الدولة المصرية.
لا عجب إذن في أن الأقباط المثقفين أحبوا مصر القديمة، مع أن الكتاب المقدس المسيحي نادرا ما يتحدث عنها بلطف أكثر من القرآن. فأنشئوا نادي رمسيس الاجتماعي وصحيفة اسمها «فرعون». حتى إنه كانت توجد جهود لإحياء اللغة القبطية بوصفها لغة للحياة اليومية. إذ كان فانسليب قد كتب في سبعينيات القرن السابع عشر أنه «سعد برؤية الرجل الذي ستختفي معه اللغة القبطية تماما.» وفي بداية القرن العشرين، أصر عالم مصريات قبطي يسمى كلوديوس لبيب على أن يتكلم أطفاله اللغة القبطية في البيت. وافتتح متحف قبطي عام 1908 للاحتفال بالإنجازات الثقافية المصرية في عصر ما بعد الفراعنة.
وبحلول عام 1919، كان الأقباط ميسوري الحال بقدر بني جلدتهم المسلمين؛ فقد كانوا يمتلكون عشرين بالمائة من الأراضي الزراعية في البلاد؛ وفقا لتقدير بريطاني، وقدر أيضا أن هذا كان أعلى بكثير من نسبتهم من تعداد السكان. وكان رئيس الوزراء في ذلك العام، يوسف وهبة، قبطيا (ثالث مسيحي يتولى هذا المنصب). لكن بحلول هذا الوقت، تغير السياق السياسي عن أيام إسماعيل. فقد كانت بريطانيا تسيطر على الحكومة من وراء الستار؛ إذ كانت قد أصبحت أكبر دائن لمصر، ثم تولت فعليا إدارة شئون البلاد، عندما تسببت خطط الإنفاق الطموحة التي وضعها إسماعيل في إغراق بلاده في الديون. وبالإضافة إلى الظهور في الحكومة، كان الأقباط نشطين أيضا إلى جانب المسلمين في الحركة المتنامية من أجل استقلال مصر عن الهيمنة البريطانية؛ حيث تجمع المتظاهرون في ميدان التحرير عام 1919 تحت راية الهلال والصليب الموحدين. وعندما شكل حزب الوفد القومي المصري ، بقيادة زعيم صاحب رؤية يدعى سعد زغلول، وفدا من سبعة ممثلين مصريين للذهاب إلى السفير البريطاني والمطالبة بالاستقلال، كان زغلول حريصا على ضم قبطي. حتى إن كاهنا مسيحيا خطب من منبر أهم جامع في البلاد، الجامع الأزهر، عام 1919، لأول مرة في التاريخ. وأعلن القمص سرجيوس قائلا: «إذا بقي البريطانيون في مصر بحجة حماية الأقباط، فليمت كل الأقباط ويحيا المسلمون أحرارا.»
في القاهرة أثناء زيارتي في عام 2011، كان هناك عوامل تحيي ذكريات ذلك الوقت. فبالقرب من ميدان التحرير، في الجهة المقابلة لمكتبة للكتب القديمة كانت جدرانها الخارجية ملطخة ببقع الدم، كان هناك رجل يرتدي قميصا مكتوبا عليه «البنادق لا تقتل. الحكومات تفعل» يبيع قمصانا مرسوما عليها هلال وصليب. ورأيت ذلك الرمز مرسوما على الجدران في جميع أنحاء المدينة. ومن خلال استحضار روح ثورة 1919، كان الأشخاص الذين رسموه يؤكدون على الوحدة الوطنية في مواجهة أولئك الذين أرادوا إثارة الخلافات بين المسيحيين والمسلمين.
التقطت هذه الصورة لرمز الهلال والصليب في عام 2011 في منطقة بالقرب من الجامع الأزهر في القاهرة، وهي منطقة تضم أغلبية مسلمة. ويعبر هذا الرمز عن رغبة المسيحيين والمسلمين في التغلب على خلافاتهم والعمل معا من أجل الحرية. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف.
ومع ذلك، لم يكن كل السياسيين المصريين الذين طالبوا بالاستقلال في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي؛ متفتحي العقل مثل زغلول. ففي عام 1928، توجهت مجموعة من العمال في المعسكر البريطاني في مدينة الإسماعيلية الساحلية للقاء حسن البنا، وهو من المعارضين المثقفين للعلمانية، وقالوا له: «نحن نرى أن العرب والمسلمين ليس لهم منزلة ولا كرامة. إنهم ليسوا أكثر من مجرد أجراء يمتلكهم الأجانب.» وأقسموا أن يكونوا جنودا للإسلام، لكن البنا اختار للجماعة اسما أكثر براءة هو: الإخوان المسلمون. كان من بين المطالب الأولى التي قدمها الإخوان للحكومة المصرية حظر الكحول وقمع الدعارة التي انتشرت خلال الحرب العالمية الأولى، عندما كان الجنود الأجانب متمركزين في مصر. ودعا الإخوان البريطانيين إلى الانسحاب من مصر. لكن كان لهم أيضا طموحات أكبر تتمثل في: توحيد جميع أراضي المسلمين تحت قيادة خليفة يفرض شريعة إسلامية صارمة.
Неизвестная страница