سحب السيد شيرلو كومبس النافذة الموجودة على الجانب الأيمن من القطار ففتحها، ثم راح يفحص الجزء العلوي من إطار النافذة بدقة باستخدام عدسته المكبرة. ثم سرعان ما تنفس الصعداء، وسحب مصراع النافذة لإغلاقها.
ثم علق قائلا وقد بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما بدا أنه يحدثني: «تماما كما توقعت. هناك انبعاج بسيط على الجزء العلوي من إطار النافذة. ويشبه هذا الانبعاج في هيئته ما يتسبب فيه زناد المسدس الذي يسقط من يد واهنة مرتخية الأعصاب لشخص منتحر. كان ينوي أن يلقي بالمسدس خارج النافذة، لكنه لم يكن يقوى على ذلك. ومن الممكن أن يسقط المسدس داخل العربة. ولكنه، في الواقع، ارتد مبتعدا عن السكة الحديدية واستقر وسط العشب على مسافة ما يقرب من عشر أقدام وستة إنشات خارج الخط الحديدي. ولا يبقى الآن سوى سؤال وحيد، وهو أين ارتكب الرجل فعلته، مع أن الموضع الحالي الدقيق للمسدس يقدر على بعد أميال من لندن؟ ولكن لحسن الحظ أن هذا الأمر أبسط من أن يكون في حاجة إلى تفسير.»
فصحت قائلا: «يا إلهي يا شيرلو! كيف تدعي أن ذلك أمر بسيط؟ يبدو لي من المستحيل حساب ذلك.»
كنا في تلك اللحظة نمر سريعا عبر الجزء الشمالي من لندن، فأرجع المحقق الشهير ظهره إلى الخلف في إشارة عن شعوره بالملل والسأم، ثم أغلق عينيه. ثم تحدث في النهاية بضجر قائلا: «الأمر بسيط حقا يا واتسون، لكنني على استعداد دائما لأتفضل على صديقي بالتفسير. ومع ذلك، سأشعر براحة كبيرة لو تمكنت من حل ألغاز التحقيق بنفسك، رغم أنني لا أمانع أبدا أن أساعدك بكلمات من أكثر من ثلاثة مقاطع صوتية. بعد أن قرر كيبسون الانتحار، كان من الطبيعي أن يعتزم فعل ذلك قبل أن يصل إلى بروستر؛ وذلك لأن التذاكر يجري فحصها مرة أخرى عند تلك المحطة. وحين بدأ القطار يتوقف عند الإشارة بالقرب من بيجرام، ظن خطأ أنه يتوقف عند محطة بروستر. وحقيقة أن طلقة الرصاص لم يسمع صوتها تفسيرها أن صوت صرير الفرامل الهوائية قد حال دون سماعها، بالإضافة إلى صوت الضوضاء الذي يحدثه القطار. وربما كانت الصافرة قد انطلقت في تلك اللحظة نفسها. وكونه قطارا سريعا، فإنه كان سيتوقف عند أقرب نقطة من الإشارة. والفرامل الهوائية توقف القطار في مسافة مقدارها ضعف طولها، ولنقل في هذه الحالة إنها أوقفته في مسافة قدرها ثلاثة أضعاف طوله. حسنا. من عمود الإشارة باتجاه لندن وعند مسافة قدرها ثلاثة أضعاف طول هذا القطار مطروحا منها نصف طوله - حيث إن هذه العربة تقع في منتصف القطار - ستجد المسدس.»
صحت قائلا: «مذهل!»
فغمغم قائلا: «ملاحظة مبتذلة.»
وفي تلك اللحظة، دوت الصافرة في الأرجاء، وشعرنا بصرير الفرامل الهوائية.
صاح كومبس بنبرة تكاد تصل إلى الحماسة: «إشارة بيجرام مرة أخرى. هذا من حسن الحظ بالتأكيد. سنغادر القطار الآن يا واتسون ونختبر الأمر.»
وحين توقف القطار، خرجنا من الناحية اليمنى لخط السكة الحديدية. وقف القطار يلهث بفارغ الصبر تحت الإشارة الحمراء، والتي تغيرت إلى اللون الأخضر حين رفعت نظري إليها. وعندما انطلق القطار بسرعة متزايدة، أحصى المحقق عدد العربات، ودون عددها. كان الظلام قد حل، وكان القمر هلالا رفيعا يتدلى في السماء ويلقي بضوء سحري خافت على الحديد اللامع. اختفت الأضواء الخلفية للقطار عند أحد المنحنيات، وعادت الإشارة إلى اللون الأحمر المميز مرة أخرى. وكان سحر الليلة الليلاء في ذلك المكان الغريب يثير إعجابي كثيرا، لكن المحقق كان عمليا أكثر مني. فقد وقف وظهره إلى عمود الإشارة وراح يسير على طول الشريط الحديدي بخطوات متساوية، وكان في أثناء ذلك يحسب خطواته. سرت إلى جانبه صامتا وبخطوتي المعهودة. ثم توقف في النهاية وأخرج من جيبه شريط قياس وراح يلفه حتى علامة عشر أقدام وستة إنشات، وأخذ يتأكد من الأرقام تحت ضوء الهلال الخافت . وبعد أن أعطاني طرف الشريط، وضع ركبتيه على شريط السكة الحديد، وأشار إلي أن أتحرك نحو ضفة السكة. رحت أمد الشريط، ثم وضعت يدي على العشب لكي أضع علامة على تلك البقعة من الأرض.
وصحت مذهولا: «يا إلهي! ما هذا؟»
Неизвестная страница