فأجبته: «أسبوعين تقريبا.» «آها! إذن أنت نزيل هنا. هل توجد مناطق تسلق جيدة هنا في الجوار؟» «لم يخبرني أحد بوجود أماكن للتسلق. وعن نفسي فإنني لا أمارس التسلق، اللهم إلا من خلال القطار المعلق. ويسعدني دائما النظر إلى الآخرين وهم يتسلقون المرتفعات. فأنا أرى أن الفائدة الوحيدة للجبال هي النظر إليها والاستمتاع برؤيتها.»
ثم شرع بومجارتن في سرد شيق عن الأخطار التي تعرض لها في الجبال. وقد وجدت أنه ممتع الحديث، تماما كما كان جونسون. وأخبرني أنه من هانوفر، لكنه تلقى تعليمه في بريطانيا العظمى، وكان هذا سبب طلاقته في الإنجليزية.
فسألني بينما توقفت الفرقة عن العزف: «في أي فندق تمكث؟»
فأجبته: «في فندق بوست، وأنت؟» «في فندق أدلر. ينبغي أن تأتي لتناول العشاء معي ذات مساء، وسأردها لك بأن آتي لتناول العشاء معك. ومن ثم يمكننا أن نقارن قوائم المطعم.»
استطاع بومجارتن تحسين مستوى التعارف بيننا على الرغم من إسرافه في التأنق والاهتمام بمظهره وثيابه. وكدت أنسى أمر جونسون حتى ذكرني به بومجارتن ذات يوم وهو يقول: «سأغادر الليلة إلى إنسبروك.» «إنسبروك؟ إن جونسون هناك. ينبغي لك أن تلتقي به، إنه صاحب شخصية جذابة للغاية. ولا يعيبه سوى أنه لا يعتني كثيرا بثيابه وأناقته.» «حري بي أن أقابله. إنني لا أعرف أحدا في إنسبروك؟ هل تعرف اسم الفندق الذي يمكث فيه؟» «لا. إنني حتى لا أعرف اسمه الأول. لكنني سأكتب لك رسالة تعريف على ظهر البطاقة خاصتي، وإذا التقيت به فأبلغه تحياتي.»
أخذ بومجارتن البطاقة وشكرني عليها، ثم افترقنا.
وفي اليوم التالي، حيث كان الجو دافئا، جلست إلى مقعد في الظلال أستمع إلى الموسيقى. والآن وقد رحل بومجارتن، جلست أفكر في الشبه الغريب بينه وبين جونسون، وأتذكر ما دار من أحداث. جلس شخص بجواري، لكنني لم أعره انتباها. ثم قال أخيرا: «يبدو أن هذه الفرقة الموسيقية رائعة للغاية.»
دهشت حين سمعت صوته، ونظرت إليه فملأني الذهول ولم أستطع أن أرد عليه.
كان له شارب، لكن لم تكن له سوالف، وكان يرتدي قبعة خضراء من اللبد وبها ريشة على غرار ما يشتهر به سكان تيرول. وعلى المقعد بجواره استندت عصا التسلق الألبية، وكان طرفها الحديدي المدبب يلامس الحصى. وكان الرجل يرتدي سروالا قصيرا فضفاضا، وفي الواقع، كان مظهره بالكامل يوحي بأنه سائح تقليدي من هواة تسلق الجبال. ولكن الصوت! وتعبيرات العينين! «ماذا قلت؟» «قلت بأن الفرقة الموسيقية رائعة للغاية.» «أوه، أجل. إلى حد ما. إنها باهظة الثمن؛ ومن ثم ينبغي أن تكون رائعة. إنني أدفع مقابل ذلك. بالمناسبة، أظنك قد وصلت صباح اليوم، أليس كذلك؟» «بل وصلت ليلة البارحة.» «أوه، حقا. وسترحل في غضون عدة أيام إلى إنسبروك؟» «لا، سأذهب إلى سالزبورج حين أغادر من هنا.» «واسمك ليس جونسون ... أو ... أو بومجارتن، بأي حال؟» «لا، ليس كذلك.» «ولم تأت من شيكاغو أو هانوفر؟» «لم أذهب إلى أمريكا قط، ولا أعرف هانوفر. هل من شيء آخر؟» «لا، لا شيء. لا بأس. بالطبع لا دخل لي بذلك.» «لا دخل لك بماذا؟» «لا دخل لي من تكون.» «أوه، ليس هذا بسر. إنني روسي. واسمي كاتزوف. أو على الأقل، هذان هما أول مقطعين من اسمي. إنني لا أستخدم اسمي الكامل أثناء سفري؛ فهو في غاية التعقيد.» «شكرا لذلك. ولكن كيف تفسر إجادتك للغة الإنجليزية؟ أفترض أنك تلقيت تعليمك في إنجلترا، أليس كذلك؟ لقد تلقى بومجارتن تعليمه هناك.» «نعم، لم أتلق تعليمي هناك. نحن الروسيين نجيد اكتساب اللغات حسبما تعلم.» «أجل، لقد نسيت ذلك. لنعد الآن إلى حيث بدأنا. الفرقة الموسيقية ممتازة، وهي على وشك أن تعزف واحدة من أربع معزوفات مفضلة، سيد كاتزبورج.» «اسمي كاتزوف. وأما عن المعزوفات، فأنا لا أعرف الكثير عن الموسيقى لكنني أحب المقطوعات الشهيرة.»
انسجمت أنا وكاتزوف على نحو رائع، وإن كان لم يرق لي فيما يبدو مثلما كان جونسون وبومجارتن. وقد رحل إلى سالبزبورج من دون أن يودعني. وذات يوم شعرت أني أفتقده، فذهبت إلى فندق إنجليتير، وأخبرني الحارس أنه قد غادر.
Неизвестная страница