قال ستانفورد وقد أطلق تنهيدة تنم عن الارتياح: «آه!» ثم أضاف في اهتمام مفاجئ: «بالمناسبة، من تلك الفتاة التي كانت تقف إلى جانبي حينما كنت أرقد على الشاطئ؟» «كان هناك عدة فتيات.» «لا، لم يكن هناك سوى واحدة. أقصد تلك الفتاة صاحبة العيون الجميلة وهالة الشعر التي تعلو رأسها وكأنها تاج ذهبي مجيد.»
قالت الممرضة بنبرة حادة: «نحن لا نتحدث عن نسائنا بهذه الطريقة. ربما تقصد روث، صاحبة الشعر الأصفر الكثيف.»
ابتسم ستانفورد وقال: «الكلمات لا تهم كثيرا.»
فأجابته الممرضة: «لا بد أن نكون معتدلين في كلامنا.» «يمكننا أن نكون معتدلين من دون أن نقلع إقلاعا تاما عن الغزل. كان أصفر وكثيفا بالفعل! لقد راودني حلم سيئ بخصوص من وجدوني. اعتقدت أنهم ... لكن ذلك لا يهم. على الأقل، ليست الفتاة من نسج خيالي. هل تعرفين ما إذا كان هناك ناجون آخرون؟» «أشعر بالامتنان لأن أخبرك بأن الجميع قد غرقوا.»
انتفض ستانفورد والذعر في عينيه. فمنعته الممرضة الرزينة بنبرة رقيقة ودية لكيلا يرهق نفسه، فغاص مرة أخرى في وسادته.
ثم صاح بنبرة واهنة: «اخرجي من الغرفة. اتركيني، اتركيني.» ثم أشاح بوجهه تجاه الحائط، فيما غادرت المرأة الغرفة في صمت كما دخلتها.
انسل ستانفورد من السرير حين خرجت المرأة، عازما أن يذهب إلى الباب ليوصده. كان يخشى من أن أولئك الهمجيين الذين يتمنون موته سيتخذون التدابير ليقتلوه حين يرون أنه سيتعافى. وبينما كان يتكئ على السرير، لاحظ أن الباب ليس به قفل. كان هناك مزلاج ضعيف لكن لا يوجد به قفل أو لسان. وكان أثاث الغرفة عثا غير متقن الصنع. فترنح باتجاه النافذة المفتوحة وأطل منها إلى الخارج، فهبت عليه بقايا تلك العاصفة المشئومة وبثت فيه روحا جديدة، كما كانت من قبل تنذره بالموت. ورأى أنه كان في قرية تتكون من أكواخ صغيرة، وكل كوخ مشيد على قطعة من الأرض خاصة به. كان من الواضح أن القرية تتكون من شارع واحد، وعلى أسطح الأكواخ المواجهة له رأى في الأفق أمواج البحر البيضاء. ولكن ما استرعى اهتمامه أنه رأى كنيسة ذات قمة مستدقة في نهاية ذلك الشارع، كنيسة خشبية كالتي رآها في المستوطنات الأمريكية النائية. كان الشارع خاليا من المارة، ولم تكن هناك أي إشارة على وجود حياة في تلك الأكواخ.
قال في نفسه: «لا بد أنني سقطت في مستعمرة من المختلين. ترى إلى أي بلد ينتمي هؤلاء؟ أتصور أنهم ينتمون إلى إنجلترا أو الولايات المتحدة، وإن كنت لم أسمع قط بمثل هذا المجتمع في أسفاري.»
لم تكن هناك مرآة في الحجرة، فكان من المستحيل أن يعرف الهيئة التي يبدو عليها. وكانت ملابسه جافة وبها بعض الملح. فعدل ملابسه قدر ما أمكنه، وانسل من المبنى من دون أن يلحظه أحد. وحين وصل إلى ضواحي القرية وجد أن ساكنيها من الرجال والنساء يعملون في الحقول على مسافة بعيدة. وكانت هناك فتاة آتية باتجاه القرية وتحمل في كل يد وعاء من الماء. وكانت تغرد بمرح وكأنها قبرة حتى رأت ستانفورد، وهنا توقفت عن الغناء والسير. ولأن ستانفورد لم يكن يوما خجولا مترددا، فقد تقدم نحوها، وكان على وشك أن يحييها حين أدركته قائلة: «أنا حقا حزينة أنك استرددت عافيتك.»
تجمدت كلمات الشاب على شفتيه وقطب جبينه. وحين رأت روث أنه منزعج - رغم أنها لم تكن تعرف السبب - أسرعت لتحسين الأمور بأن أضافت: «صدقني، ما أقوله حقيقي. أنا حقا حزينة.» «حزينة أنني على قيد الحياة؟» «حزينة كل الحزن.» «من الصعب تصديق هذه الجملة من شخص في غاية ... أقصد منك.» «لا تقل ذلك. لقد اتهمتني ميريام بالفعل بأنني فرحت لأنك لم تغرق. وسيؤلمني ذلك كثيرا إن كنت تعتقد أيضا كما تعتقد هي.»
Неизвестная страница