111

Лицо и маска

الوجه والقناع

Жанры

وفي مساء اليوم التالي، عرج برادلي على غرفة رئيس الجلسة وقال له: «ها هي الورقة الموسومة قد سحبتها ليلة أمس.» •••

كان مبنى المعرض يزهو بالكثير من الرايات ويصدح بأصوات إحدى الفرق الموسيقية. وكانت الآلة التي لن تكف عن العمل لمدة ستة أشهر لا تزال ساكنة؛ ذلك أن صاحب السمو كان سيفتتح تشغيلها في غضون ساعة. وكان صاحب السمو وحاشيته لم يصلا بعد، لكن المبنى كان يعج بحشد من الضيوف المدعوين المتأنقين، الذين كانوا هم الأفضل في البلاد من حيث الشهرة والألقاب والثروة. وتحت المنصة الكبيرة التي من المقرر أن يقف عليها صاحب السمو والضيوف الرفيعو الشأن ليلقوا كلماتهم والتي منها سيضغط صاحب السمو زر التشغيل الكهربائي، كان برادلي يسير في الأرجاء مضطربا، وقد اعتلته النظرة نفسها التي كانت على وجهه في تلك الليلة التي فكر فيها أن يقفز في نهر التيمز. كانت المنصة من الأسفل عبارة عن شبكة كثيفة ومتداخلة من العوارض والدعامات. وكان صندوق الأدوات الخشبية الخاص ببرادلي موضوعا على الأرض بجوار أحد عروق الخشب. وقد أتى رئيس العمال وراح يضرب دعامة هنا أو عارضة هناك.

وقال مخاطبا برادلي: «كل شيء على ما يرام. لن تكون هناك مشكلة، حتى لو أن هذه المنصة نصبت على عجل، وعلى الرغم من الحمل الثقيل الذي ستحمله الليلة.»

لم يكن برادلي واثقا كثيرا بهذا الشأن، لكنه لم ينطق ببنت شفة. وحين تركه رئيس العمال وحده، فتح بحذر غطاء صندوق أداوته وأزاح مئزره الذي كان يغطي شيئا تحته. كان ذلك الشيء صندوقا صغيرا يحوي جهازا به ساعة ومطرقة صغيرة مرفوعة تتدلى على غطاء نحاسي صغير وكأنها سيف دموقليس. ألقى برادلي بالمئزر عليه مرة أخرى وأغلق غطاء الصندوق وجلس إلى أحد عروق الخشب وطوى ذراعيه منتظرا.

ثم سرعان ما جاء صوت هتاف هائل وبدأت الفرقة الموسيقية عزفها. قال برادلي في نفسه وهو يطبق شفتيه بإحكام أكبر: «إنه آت.» ثم صاح به رجل شرطة، وهو يطل برأسه من الباب الخشبي الصغير أسفل المنصة، قائلا: «أيها النجار، تعال إلى هنا بسرعة. يمكنك أن تحظى برؤية أوضح لصاحب السمو وهو يسير في الممر.» سار برادلي إلى الفتحة وحدق إلى الموكب المهيب وهو يتجه نحوه. ثم فجأة، أمسك بذراع الشرطي كالمنجل. «من هو ذلك الرجل الذي يتقدم الموكب في ردائه المميز؟» «ألا تعرفه؟ إنه صاحب السمو.»

راح برادلي يلهث. أدرك أن صاحب السمو هو الرجل الذي قابله عند ضفة النهر.

فقال لرجل الشرطة: «شكرا لك.» ونظر إليه الشرطي في فضول. ثم دلف إلى تحت المنصة الكبيرة بين الدعامات والعوارض واستند إلى أحد العروق الخشبية مقطبا جبينه.

وبعد لحظات قليلة خطا نحو صندوقه، وأزال المئزر وأخرج الآلة بحذر كبير. وبهزة سريعة أزال المطرقة الصغيرة وألقى بها بعيدا عنه. راحت الآلة تطن من الداخل للحظة وكأنها وقت يشارف على الانتهاء. ثم فتح الصندوق الصغير وهزه فأخرج منه على المئزر مادة وكأنها نشارة خشب جافة. ثم بدا متحيرا للحظة ما عساه أن يفعل بها. وأخيرا أخذها إلى الخارج ونثرها على تقاطع للسكة الحديد ينمو عليه العشب. ثم عاد برادلي إلى صندوق عدته وأخرج منه إزميلا وراح يتحسس حافته بإبهامه وهو متجهم. •••

أقر الجميع أن صاحب السمو لم يلق في حياته من قبل خطابا أبلغ من الذي ألقاه أثناء حدث افتتاح ذلك المعرض. كان صاحب السمو قد ألمح بقدر يسير إلى موضوع الرخاء المنقطع النظير في البلاد، الذي كانت إحدى دلالاته تلك المجموعة الفنية الرائعة التي تحويها تلك الجدران. كما أشار إلى جو الاطمئنان والرضا العام الذي ساد بين الطبقات التي يرجع الفضل إلى ما أنجزته أياديهم في تلك الأمثلة الرائعة المعروضة للمهارة البشرية. وقد عبر صاحب السمو عن امتنانه للسلام والطمأنينة التي سادت على الأرض السعيدة وعن أمله في استمرارهما. ثم كان هناك عدد لا بأس به من اللمسات الفكاهية في حديثه، ومثل هذه اللمسات تكون باعثة كثيرا على السرور حين تأتي من أناس يتقلدون مناصب رفيعة. وفي الواقع، قال رئيس الجلسة في الاجتماع الذي انعقد بعد ذلك (وانعقد سرا بالطبع) إن الرجل الذي كتب خطاب صاحب السمو قد تفوق على نفسه. •••

نشرت الصحف تقارير كاملة ومفصلة عن افتتاح المعرض في صباح اليوم التالي لذلك، وربما لأن تلك المقالات المصورة كانت تحتل مساحة كبيرة في الصحف، لم تكن هناك مساحة كبيرة للإعلان عن الرجل الذي انتحر. لم تقل الصحف أين وجدت الجثة، إلا أنها كانت بالقرب من مبنى المعرض، ولم يعرف صاحب السمو قط أنه ألقى بذلك الخطاب الرائع مباشرة على جثة رجل ميت.

Неизвестная страница