فقال حنانيا: أنا لست سلا ولا بروتستنت ليستطيعوا طردي، فإنني قاعد هنا على صدورهم إلى أن يحلو لي السفر، ثم فلنترك الآن المزاح. هل بلغكم عزم أهل القرية على التجمهر لإخراج المرضى من قريتهم؟
فقال سليم: وما قولكم في قصدهم هذا؟ ألا ترون فيه شيئا من الحق؟
فأجاب فاضل بحدة: عفوا عفوا، إن لأهل القرية الحق في إبعاد المرضى عنهم، كما أن للمرضى؛ وخصوصا المصدورين، الحق في اختيار الحدث للإقامة فيها؛ لأن هواءها أجف الأهوية، والأطباء يأمرونهم بأن يسكنوها، ومن الخشونة والهمجية أن يداس حق الضعفاء إرضاء للأقوياء.
فقال سليم: فما الحيلة لإرضاء الفريقين؟ أليس هناك يا ترى طريقة جامعة؟
فقال فاضل: كنت أفكر منذ مدة في هذا الأمر حين سماعي ذلك الخبر، فحللت هذه المشكلة، وذلك أن يبنى فوق القرية تحت الأرزات التي هناك (مستشفى للمرضى) مؤلف من عشرين أو ثلاثين غرفة جامعة لكل الشروط الصحية على نسق المستشفيات الصحية للمسلولين في أوروبا (سانتوريوم)، وحينئذ يجتمع المرضى من تلقاء أنفسهم في هذا المستشفى بدل أن ينتشروا في منازل القرية ، ويخاصموا الأهالي لاستئجارها.
2
فقال كليم: لقد أصبت؛ فإن هذا خير حل، وحينئذ يكون من حق الأهالي إجبار المرضى على الانفراد بذلك المستشفى، وإلا فكل مقاومة منهم تعد خشونة وقسوة؛ إذ الأرض ليست أرضهم ولا الهواء هواءهم، بل هما لله؛ أي إنهما مشتركان بين جميع البشر، وإذا لم يقم أحد لبناء هذا المكان الصحي، فإنني أؤكد أن الحدث لا يقصدها في المستقبل غير المرضي فتخسر خسارة غير قليلة.
فقال سليم: نعم، إن السل آفة هائلة، والناس يرهبونه كما يرهبون نيران جهنم.
فقال حنانيا: ولكن من أين تنشأ هذه الآفة المهلكة التي كثرت في بلادنا؟ ثم أليس من دواء لها؟
فقال سليم: لقد اطلعت منذ أسبوعين على آخر الأبحاث والآراء في هذه الآفة، ومنها يظهر أن السل يصاب به نصف البشر على الأقل، فبعضهم يشفى منه دون أن يدري به
Неизвестная страница