Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
عندما كنا في الأورمان في العام السابق، كانت تقع أمام الفناء الخلفي للمدرسة عمارة من أربعة طوابق، وكان في الطابق الرابع فتاة من المحال رؤية ملامحها بوضوح؛ لبعد المسافة، وكانت تقف كثيرا في الشرفة أو النافذة وعيون الجميع معلقة بها، وكلهم يتصور أنها تعرفه وتعنيه بحركاتها، واقفة أو جالسة، فإذا لوحت بيدها، فكل منهم عاشق ولهان تلقى إشارة القبول. وقد نسج الطلبة حولها الأساطير، وعندما فاتحت نبيل رضا في الموضوع قال لي إنه هو المقصود بالإشارة، وأمن على كلامه ابن خالته علاء (الذي هاجر إلى ألمانيا)، ولكن أخاه الأكبر محمد اعترض، ومن ثم تركنا الموضوع دون حسم. وذات يوم كنت أزور يحيى يوسف (المستشار بمجلس الدولة حاليا) وانتهى موعد الزيارة لوصول أستاذ اللغة الفرنسية «يوحنا ويصا فلسطين» الذي كان مدرسا أول بالمدرسة، فخرجت بعد الغروب بقليل، وبدلا من أن أعود إلى المنزل سلكت شارع المدرسة، فلاحظت أن بعض راكبي الدراجات يحومون حول ذلك المنزل، وتصورت أنهم يتسابقون، ولكنني تعرفت على أحدهم، وهو زميل لنا اسمه وجيه صلاح الدين (أصبح لواء في الشرطة فيما بعد). ورغم عجبي ودهشتي تركت المكان لأتمتع برؤية الغروب في الحقول.
كان الموقف يذكرني بالمعلمات في مدرسة رشيد المقابلة لمنزلنا. ولكن عام خامسة أدبي لم يدع لي مجالا للتفكير في أي منهن، وكأنما غربت صورهن مع صور التلال والنخيل، وعندما التحقت بكلية الآداب ووجدت الزميلات يحادثنني دون خشية أو تردد، زالت مخاوفي من هذا الشيء الغامض، هذا الذي يتحدث عنه الشعراء وأحاكيهم فيه، وذلك السر الغريب الذي يقض مضجع إبراهيم كيرة! كنت دائما أرى نفسي مختلفا، ولم أشأ أن أكون مثل الجميع في هذا فأفكر في عيني فلانة وكلام علانة! ولكنني ذات صباح من أيام نوفمبر 1955م، أثناء درس من دروس الرواية، أحسست أن عينا ما تراقبني، فتلفت فإذا وجه صبوح، وإذا ببسمة صافية تنير الصباح! وابتسمت ردا على البسمة، كأنما أقر بأنني مثل الآخرين، وبأنني «يا هند من لحم ودم»!
لم يحدث شيء يدعو للابتسام. لم يكن في الدرس قطعا ما يدعو للفرح؛ فالدكتورة أنجيل بطرس سمعان تعدد أنواع الروايات وتحدد خصائص كل نوع، والدقة لازمة في رصد هذه الخصائص! فما الذي دعا الفتاة للابتسام؟ وما اسمها؟ وما هذا الزلزال الذي يهز كياني هزا فيمنعني من التفكير ومن الكتابة ومن الحركة! تجمدت دون أن أجرؤ على النظر ثانيا خشية أن أراها مقطبة. وقلت في نفسي لعلها أخطأت وكانت تبتسم لغيري، أو لعل بسمتها حركة لا إرادية لا معنى لها، أو لعلها لم تبتسم أصلا وكان ما رأيت وهما! وتظاهرت بالكتابة، واستغثت بالشعر فأبى واستعصم، وشعرت كأن سحابة هبطت على الكون من مكان لا أعرفه فاكتنفتني، ووددت لو أن لي أصدقاء أشكو إليهم حالي، وظللت في مكاني حتى انتهى الدرس وانصرف الجميع وأنا جامد ساكن.
وأهرعت إلى زميلي جلال نصيف الذي كان يعمل ليلا في شركة مقار ، ويأتي في الصباح إلى الجامعة، وكان وسيما وله شارب ويهوى الموسيقى مثلي، فقال لي «قاعد والا ماشي؟» وفي شبه ذهول قلت له أفكر في عبد الوهاب - وقال «بالمناسبة جبت لك نوتة «المماليك» - سيكا تركز على سي بيمول ...» ثم أخرج من حقيبته ورقة تتضمن نوتة موسيقية وأعطاها لي، وعرض علي الذهاب إلى البوفيه، ووجدتني أسير ذاهلا، وعندما جلسنا قلت له إنني أفكر في أغنية «مقادير»، فنظر إلي غير فاهم فقلت له المطلع:
مقادير من جفنيك حولن حاليا
فذقت الهوى من بعد ما كنت خاليا
نفذن علي اللب بالسهم مرسلا
وبالسحر مقضيا وباللحظ قاضيا
فضحك وقال: وهل هذه صعبة؟ وخفت حدة ذهولي وبعد قليل شكرته وانصرفت.
لم أكن في ذلك اليوم قادرا على الحديث مع أحد، كنت أسيرا لتلك البسمة، أحيانا أحس بتحليق لم أعهده في أجواء غريبة، وأحيانا تغمرني الفرحة، ثم أعود أناقش الموضوع، وذكرت ما قاله الأستاذ كمال نايل مدرس الفلسفة في المدرسة عن عذاب المحب الذي لا يستطيع أن يتذكر وجه المحبوب، وكان قد أعد رسالته للماجستير في علم النفس (بإشراف الدكتور يوسف مراد) بعنوان «الغرضية في السلوك الإنساني»، ولكنني كنت قادرا على استدعاء بسمتها في كل لحظة، بل كانت البسمة ثابتة لا تبارح خيالي. وتنبهت إلى أنني أناقش الأمر باعتباره لونا من الحب الذي يتحدث عنه الشعراء، وأن البيت الذي أتى بقصيدة شوقي هو «وما هو إلا العين بالعين تلتقي!» - وانثالت أبيات شوقي في ذهني:
Неизвестная страница