Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
كان الدكتور عبد العزيز الأهواني (رحمه الله) هو الذي يدرس لنا مادة اللغة العربية، وكان الموضوع هو «الشعر المعاصر»، وقد بهرتني قدرته على الحديث في موضوعه مباشرة ودون «إنشاء » ساعة متواصلة، هي طول المحاضرة، بالفصحى التامة السليمة، وبهرني وضوحه ودقة تعبيره. لم يكن يحمل كتبا، بل كان يضع يديه أمامه على منضدة الأستاذ ويتكلم! وتمنيت في أعماقي أن أستطيع ذلك يوما ما، وقد حققت مأربي إلى حد ما عندما عدت من البعثة عام 1975م وبدأت أدرس مادة الشعر الإنجليزي، فلم أكن أحمل كتبا، وعندما طلبت مني الدكتورة فاطمة موسى، رئيس القسم آنذاك، أن ألقي محاضرة عن قصيدة المقدمة للشاعر وردزورث، وأعتقد أن ذلك كان عام 1977م، جلست نفس جلسته، وتحدثت بالإنجليزية حديثا متواصلا مستفيضا ساعة كاملة، فأوفيت الموضوع حقه بوضوح ودقة ما زال البعض يذكرونني بها، دون أن أدري أنني كنت أحاكي الدكتور الأهواني!
وذكر لنا الدكتور الأهواني كتابا للعقاد عنوانه «شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي» باعتباره من المراجع المهمة، وسرعان ما اشتريته وقرأته، ولكنني أحسست أن العقاد يتجنى على شوقي. كيف يقطع الإنسان بأن شاعرا ما كاذب أو صادق في شعره؟ هل فنون الصنعة تنفي الصدق؟ وهل كان المتنبي أكبر الكذابين؟ ما المعيار؟
ودرسنا الرواية الطويلة المكتوبة نثرا، ودرسنا مسرحيتين لشكسبير، وكثيرا ما كنت أتألم من صعوبة اللغة القديمة، فكانت عملية القراءة ذاتها مرهقة مضنية، وسمعت أن جامعة عين شمس (الجديدة) تتبع منهجا مختلفا؛ إذ يدرس الطلبة اللغة المعاصرة أولا فإذا أحكموا معرفتها تحولوا إلى اللغة القديمة، وأحسست بحسد دفين، لكن ما السبيل إلى الاعتراض؟ وكان امتحان الفصل الدراسي الأول في مواد التخصص الرئيسية وهي الرواية والدراما والشعر، واللغة العربية. وعندما جاء موعد الفصل الدراسي الثاني كنت أحس أنني لا أريد الاستمرار! ولكن الدكتور رشاد رشدي كان قد عاد من أمريكا بعد منحة دراسية لمدة عام؛ للاطلاع على مذاهب النقد الحديث، وبدأ يعلمنا هذه المذاهب بأسلوب مبسط ساحر، فأنساني هموم الفصل الأول، وهموم اللغة القديمة، ومع أنه لم يكن وسيما بالمعنى المفهوم فقد كانت لديه قوة اجتذاب الجنس الآخر، ربما بسبب سلاسة منطقه وطاقته على الإقناع، وكان صبورا هادئ الأعصاب وذا حنكة في التعامل مع الناس لا يجاريه فيها أحد!
وكان ذلك دافعا لي على الاستمرار، خصوصا أننا أصبحنا شبه متفرغين لمادة النقد الأدبي، فالمواد الأخرى جميعا يسيرة (اللغة الفرنسية، واللغة اللاتينية، والمقال والنحو، وأعمال السنة). وكان في السنة الرابعة آنذاك تلميذ نابه هو أحمد مختار الجمال (دمياطي)، وقرر أن يصدر مجلة حائط لقسم اللغة الإنجليزية أسماها «أضواء» (وكنت أعاونه في كتابتها ونشر كاريكاتير من رسمي أنا في كل عدد)، بإشراف الدكتور شوقي السكري وكانت الرحلات شبه أسبوعية؛ إما إلى الأهرام أو القناطر الخيرية أو إلى الإسماعيلية - بقيادة شوقي السكري أيضا، وكان نادي الخريجين المصري (الذي أنشأه خريجو قسم اللغة الإنجليزية الأوائل) يمارس أنشطة علمية وثقافية - برئاسة شوقي السكري كذلك، واتضح لي فيما بعد أن شوقي السكري كان قد عاد من البعثة في الوقت الذي سافر فيه رشاد رشدي إلى أمريكا الذي كان رئيسا للقسم (أو قائما بأعمال رئيس القسم؛ لأنه كان أستاذا مساعدا)، فانتهز شوقي الفرصة، وعمل على اجتذاب أكبر عدد من الطلبة إليه، والقيام بأكبر قدر من «النشاط» تمهيدا لمنافسة رشاد رشدي وربما - إذا ترقى هو الآخر - لرئاسة القسم بدلا منه!
وكنا نسمع عن ذلك ولا نراه، ثم أعلن فريق التمثيل بالكلية عن اختيار بعض العناصر القادرة للعمل في حفل مسرحي كبير، وعقد أقطاب الفريق القديم امتحانا للجدد، وكان الأقطاب هم أحمد زكي (المخرج) الذي كان في السنة الرابعة بقسم الاجتماع، ومصطفى أبو حطب (رحمه الله)، وكان في الرابعة بالقسم الإنجليزي، وكلاهما على وشك التخرج من معهد الفنون المسرحية، ونبيلة سيد أحمد (3 إنجليزي) ونبيلة أندراوس (2 إنجليزي) ونوال راتب (2 إنجليزي). وتقدم للامتحان كثيرون رسبوا جميعا ومن بينهم حسين الشربيني (اجتماع) والضيف أحمد الضيف (رحمه الله) (تاريخ) وأنا! وكان المرحوم المأمون أبو شوشة طالبا منتسبا في قسم الإنجليزي، وكان يشاع أنه لا يزال طالبا في كلية العلوم، وأنه يرفض التخرج ؛ خشية توقف دخل كان يأتيه طالما كان طالبا فإذا تخرج انقطع. وفي أول اجتماع للفريق، كان يجلس إلى جانبي شاب نحيل عرفني بنفسه وحذرني من الاقتراب منه كي لا تصيبني «العدوى»، وسألته عن مرضه فقال إنه مرض القراءة! وكان اسمه يحيى عبد الله - رئيس قسم الدراسات اليونانية واللاتينية حاليا. وارتفعت صيحات الاحتجاج من الراسبين في امتحان التمثيل، فوعدنا أحمد زكي بأن «يشوف لنا أدوار»، ثم دخل رشاد رشدي وتحدث عن خطة الفرقة فقال إنه ترجم مسرحية «الزواج» من تأليف جوجول، وأعدها للتمثيل بالعامية المصرية، كما ترجم مسرحية «هرناني» لفيكتور هوجو، و«المفتش العام» لجوجول أيضا، وقال: اختاروا ما تريدون، وخرج.
واستقر الرأي على المسرحيتين الأولى والثانية، وبدأنا التدريبات، كانت الأولى بالعامية، والثانية بالفصحى، وكان المخرج هو كامل يوسف، من خريجي قسمنا، ويعمل مخرجا بالإذاعة. وكان يعاونه مخرج مساعد شاب اسمه يوسف مرزوق. وكان الموعد هو الثانية ظهرا كل يوم، للقراءة، ثم بعد أسبوعين تبدأ «الحركة»، ثم ننتقل إلى المسرح! وقضينا ثلاثة أسابيع في القراءة دون الاتفاق على منهج محدد في الأداء، فكان كامل يوسف يقول شيئا، فإذا غاب قال مساعده شيئا مختلفا، فإذا كنا دون مخرج قال أحمد زكي شيئا آخر تماما! وقال لنا أبو شوشة إن هذا أكثر مما يحتمل، والأفضل أن نتظاهر بالطاعة، ثم نفعل ما نريد على خشبة المسرح، ومن ثم دعا الفريق إلى السينما في صباح اليوم التالي، وكان الفيلم هو «ذهب مع الريح»، وكان طويلا، فلما عدنا كان كامل يوسف يرغي ويزبد، وهدد بالتوقف عن العمل! ووجه إليه أبو شوشة تهديدا مستترا ردا على ذلك، قائلا: قطعا لا تريدني أن أحل محلك الآن! وفهم كامل يوسف مرماه وعدنا للتجارب المسرحية.
وكانت تجربة وقوفي على المسرح (بعد تحذير عبد المنعم مدبولي) مخاطرة كبيرة. كما أنني لم أكن واثقا من منهج الأداء، وقبل الدخول إلى المسرح بحت لأبو شوشة بما كان يقلقني، وكان يلعب هو دور البطولة، فقال لي لا تقلق! جرب حركة جديدة وانتظر رد فعل الصالة، فإذا نجحت وسمعت الضحك أو التصفيق، (وكان الأول يسمى إفيه بتشديد الفاء والألف الممالة، والثاني يسمى سوكسيه) فالتزم بها طول العرض!
ولأول مرة في حياتي كنت أمارس الخروج على النص! لم أقل كلاما من عندي، ولكنني فعلت شيئا من عندي - شممت وردة وضعها أحد الخطاب في عروة السترة في مشهد يضم جميع الخطاب في منزل العروس! لم أكن أتصور أن هذا مضحك إلى هذا الحد، ولكني كنت أقاطع أحاديث الجميع وحركتهم بشم الوردة، وكانت النتيجة هي أنني كنت بمجرد دخولي إلى المسرح يصمت الجميع ترقبا لما سأفعل، وكنت في كل مرة أفعل شيئا مختلفا فتتصاعد ضحكاتهم ثم يصفقون! وعندما انتهى العرض ودخلت إلى المسرح لتحية الجمهور تأكد لي أن الجمهور كان سعيدا!
وفي نهاية الحفلة عدنا إلى غرفة الملابس، فاكتشفت «سرقة» ورقة مالية بعشرة قروش من جيبي، وأحسست بحزن شديد، لا لأنني لن أستطيع العودة في الأتوبيس إذ كان عندي اشتراك شهري، بل لأنني كنت وعدت أحد الأصدقاء بأن أدعوه إلى «تحية ما» بعد العرض! وذكرت ذلك لأبو شوشة فأعطاني ورقة مالية بخمسة قروش وفت بالغرض وانتهت الليلة. لم أنس شهامته أبدا، ولا أنسى رفضه أداء الدين، وقد زاد اقترابنا من بعضنا البعض، وكثرت لقاءاتنا حتى بعد أن عمل في الإذاعة في تقديم برنامج اسمه «صواريخ» حتى توفاه الله.
4
Неизвестная страница