Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
3
كانت أول ريح هبت لتثير الموج في أعماقي هي قصائد «شلي»! كان الكتاب «المقرر» هو «الكنز الذهبي» الذي جمع فيه بولجريف قصائد تمثل أذواق العصر الفكتوري، وهي قصائد في جوهرها رومانسية، ونصيب الكلاسيكيين فيه محدود. وكان لدينا أستاذ اسمه الدكتور شوقي السكري، كان قد عاد لتوه من بريطانيا حيث حصل على الدكتوراه في شعر وليم موريس، الشاعر الفكتوري، الذي اشتهر بأفكاره الاجتماعية أكثر من براعته الفنية. وكان د. شوقي لا يقول كلاما كثيرا عن الشعر نفسه، بل كان يلقيه إلقاء جميلا فيسحرنا به، وجعل يلقي القصيدة من بعد القصيدة ونحن لا نفهم إلا قليلا . ومن ثم عكفت على قراءة القصائد بنفسي، وكنت أستيقظ في الفجر كما كنا نفعل في رشيد، لكنني لم يكن علي أن أذهب كل يوم في نفس الموعد إلى الجامعة؛ ولذلك اعتدت (ولازمتني هذه العادة حتى اليوم) أن أقرأ ما أريد تفهمه بعد صلاة الفجر، ويوما بعد يوم وجدتني أرى في «شلي» الشاعر المثالي، بل وجدتني أقول ذات يوم لأحد الأصدقاء: «هذا هو الشعر!»
وسرعان ما أفسد علينا المدرس متعة القراءة والتذوق بأن «قرر» علينا كتابا يصدر في ملازم عن الشعر الإنجليزي، يتضمن البحور، والأشكال البلاغية، وتاريخا موجزا للشعر الإنجليزي، ثم فقرات محددة من كتاب «موجز تاريخ الأدب الإنجليزي» من تأليف أيفور-إيفانز (وهو من ويلز). وكان عدد أشكال المجاز ستا وثلاثين، مع شروح لها وأمثلة عليها، حفظتها كلها، ثم نسيتها، وعدت إلى الشعر! مفتاح الشعر هو الإنسان والطبيعة إذن! وفي نوفمبر كتبت أبياتا أحاكي فيها فن شلي:
أواه يا ورق الخريف!
يا مهبط الوحي الرهيف!
أي النسائم أنطقت فيك الحفيف؟
أي الغصون رمتك يا ورقي الأليف؟
هل أنت مثلي أعجف البنيان مقرور الكيان؟
هل أنت مثلي عاجز الألحان معقود اللسان؟
ونظرت إلى الأبيات في دهشة، وربما لم أدرك كل الإدراك أنني أخرج بهذا اللون من التأليف، غير المنتظم في عدد التفعيلات، عن عمود الشعر العربي، ولكنها كانت أبياتا ذات وقع يرضي أذني، ثم نظرت فيها ثانيا فلم أجد الصدق الذي أوصاني أستاذ اللغة العربية به، ولم أجد نظاما محكما للقافية، فتوقفت. وعندما عرضت الأبيات على صديقي أحمد السودة لقيت منه كثيرا من التشجيع. كان قد التحق بكلية الحقوق ولكننا ازددنا قربا، وتوثقت علاقتنا، وكنا (وما زلنا) نتزاور ونتبادل الكتب، وإذ ذاك ألمح لي أنني أفعل في شعري ما افتقده العقاد في شعر شوقي - وكان يعني الصدق طبعا! هل أنا صادق إذن؟
Неизвестная страница