Оазисы жизни: автобиография: часть первая
واحات العمر: سيرة ذاتية: الجزء الأول
Жанры
وقع الحادث أمام منزلهما، تحت سمع الجيران وبصرهم، ولم يكن هناك أدنى شك في أن القتل متعمد، وكانت جلسة التحقيق الأولى (
the coroner’s inquest ) قد سجلت ذلك، وأصبحت الزوجة «مشتبها فيها» وإن لم توجه إليها التهمة فأفرجت الشرطة عنها بكفالة (on bail) . ولم تمض أيام حتى سمعنا من يقول إنها أتت بشهود يقطعون بأن فرامل السيارة كانت قد تعطلت عن العمل، وأن توصيف الجريمة تحول من القتل العمد (murder)
إلى القتل الخطأ (manslaughter)
ورغم توجيه التهمة رسميا إلى الزوجة، فإن بعض الجيران قد عدلوا عن أقوالهم، وتناقضت الأدلة، ولم تلبث أن ضاعت التفاصيل في أروقة المحاكم، ولم يكن لقيس من يرثه أو يطالب بحقوقه، ولم يكن له من يستطيع توكيل محام للمطالبة بحقوقه أو إثبات الوقائع التي حدثت، فأصدرت المحكمة بعد فترة حكما مع وقف التنفيذ، وعادت الزوجة إلى الحياة حرة طليقة!
كان الوجوم الذي علا الوجوه في ذلك الصباح ذا جذور عميقة، وكان العرب في لندن يشعرون بأنهم لا حول لهم ولا طول، وأن دم قيس المهدر رمز لما أهدروه حين اختاروا الحياة في الغربة، وكانت المناقشات تميل أحيانا إلى العنف، وذات يوم كنت في مكتب ترجمة الخطابات، وكنت أقنعت سامي أبو طالب بأن يتقدم للوظيفة الشاغرة فتقدم وحصل عليها وكان يجلس مكان إفادات كيبرون، فسألته عن رأيه في مقتل قيس فقال بهدوء هزني هزا: «على من يقبل الحضارة المادية أن يتحمل النتائج!» فسكت وعدت إلى العمل، وعندما جاء عزت أبو هندية (وكان من عادته التأخر) وسأل عن سبب وجومنا وقلت له السبب قال بلهجته الدمياطية: «الإنجليزيات يدفعن إلى الجنون! وهذا سبب إحجامي عن الزواج!» ثم التفت إلي وقال لي: «لقد أحسنت بالزواج من مصرية، فسوف تعود معها إلى مصر .. إنها صمام الأمان.» ولم أفهم جميع دلالات قول سامي وقول عزت إلا بعد سنوات طويلة في الغربة.
2
كان خالي الدكتور كمال (وهذا اسم شهرته) يزورنا كثيرا في منزل الطلاب مع زوجته وكنا نتردد عليه كثيرا؛ إذ كان يقيم قريبا منا، وكان يتابع أخبارنا ويخرج معنا في رحلات نادي الطلاب العرب، فزرنا بعض المدن الساحلية والشمالية، وقمنا بنزهات كثيرة، ولكن رفع المصاريف الدراسية في الجامعات جعل نهاد تصمم على الحصول على عمل؛ فدون الدخل الإضافي لن تتمكن من الالتحاق بالجامعة للدراسة (الماجستير مثلا أو الدكتوراه) وذات يوم قادتني خطاي عبر الحديقة إلى الجانب الآخر منها، حيث رأيت سفارة السودان، وكنت أعلم أنهم يحتاجون إلى موظف في قسم العلاقات الثقافية الذي كان يرأسه حسن عباس (وقد علمت أخيرا أنه توفي) فدخلت وسلمت وطرقت باب قسم العلاقات الثقافية فوجدت اثنتين إحداهما في مقتبل العمر وسمراء، والأخرى في منتصف العمر وبيضاء تسمى مسز مويلان (وهي أيرلندية) وحادثت الكبيرة عن الوظيفة، وقلت لها إن زوجتي تريد أن تتقدم لها وإنها مصرية. فسألتني سؤالا واحدا: هل تعرف الإنجليزية؟ وقلت لها بل تعرفها خيرا مني. فقالت لي أرسلها لي غدا صباحا. وفي الصباح ذهبت مع نهاد، وبعد دقائق معدودة قضتها في مناقشة سريعة خرجت نهاد لتقول لي: اذهب أنت .. سأبدأ العمل اليوم!
د. مصطفى كمال بدر الدين وزوجته اعتدال، ود. نهاد صليحة.
كان الشتاء قد بدأ يطوي صفحته ولاحت بشائر الربيع، وكنا نخرج كل صباح فتتجه نهاد إلى الحديقة لتذهب إلى العمل سيرا على الأقدام، وأركب أنا المترو إلى العمل، ومنه إلى الكلية، وكنت قد وضعت الجدول الزمني للانتهاء من الرسالة في مايو، حتى أستطيع أن أنتهي من إجراءات المناقشة قبل نهاية العام الدراسي، ولكن مايو أتى بما لم يكن في الحسبان؛ إذ وردت الأنباء بأن العلاقات قد توترت بين إسرائيل وسوريا، وأن إسرائيل تحشد قواتها على حدود سوريا تمهيدا لغزوها، أو على الأقل لاحتلال هضبة الجولان التي كان الفلسطينيون يستخدمونها في قصف المستوطنات الإسرائيلية. كنا حتى ذلك الحين نتابع أنباء الوطن دون حماس كبير؛ فلكل منا مهمة عليه الانتهاء منها، ولا يستطيع طالب البعثة أن يشغل نفسه بالسياسة كثيرا، ولكننا لم نستطع أن نتجاهل أنباء التهديد بالغزو أو الحرب، وكانت الإذاعة والصحف المحلية مشغولة بنقل أنباء حرب فيتنام، وتورط أمريكا في تلك الحرب يزداد، والفظائع تهز ضمائر الكتاب والمعلقين السياسيين، خصوصا استخدام النابالم (napalm)
وقتل المدنيين العزل، وأحاديث الرئيس الأمريكي لندون جونسون مفزعة، والأهوال مخيفة مرعبة، والإنجليز ما يزالون يذكرون أهوال الحرب العالمية الثانية ويعارضون في أعماقهم ذلك التورط الأمريكي الذي أصبح يتخذ صورة البطش السافر.
Неизвестная страница